كيف نواجه الفتن؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة عباد الله المهتدين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأخيار المهتدين، وعلى جميع من سار على نهجهم إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل هذا المجلس خالصاً لوجهه، وأن يجعله موجباً لرحمته ومغفرته، وأسأله كما كتب لنا هذا الاجتماع الطيب المبارك في الدنيا أن يكتبه لنا في الآخرة، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

إخواني في الله! الإيمان بالله عز وجل يحتاج من صاحبه إلى أمورٍ مهمّة، وقواعد ثابتة، ومن خلال هذه الأمور والقواعد، يستطيع المؤمن أن يكون صادقاً في إيمانه، صادقاً في طاعته وعبوديته لربه.

التسليم والانقياد لله تبارك وتعالى

هذا الإيمان أساسه التسليم والإذعان لله تبارك وتعالى، فالمؤمن الحق هو الذي أسلم لله ظاهراً وباطناً، وهذا الإسلام يستلزم منك أموراً ينبغي عليك أن تقوم بها، وهذه الأمور دلائل تدل على صدق عبوديتك لله عز وجل، وقد شاء الله عز وجل أن يمتحن أهل الإيمان، وأن يبتلي صبر أهل الإحسان، ليميز الله الخبيث من الطيب، وليُظهر عز وجل صدق الصادقين، ونفاق المنافقين، وأعظم أمرٍ يظهر به إيمان المؤمن، وتسليمه لله عز وجل وإذعانه لله إذا نزلت الفتن، وادلهمّت المحن، وأصبح الإنسان بين الدعاة، كلٌُ يدعو إلى سبيل، وكلٌ يَظن أنه دليلٌ ونعم الدليل، وأصبح الإنسان بين أممٍ مختلفة، وآراء متباينة، تعصفه فتنٌ كهذا النوع، عندها يظهر إيمانه ويقينه وإسلامه وانقياده لله عز وجل، ولذلك أهم سمة للمؤمن في الفتنة والمحنة أنه معتصم بالله عز وجل، راجعٌ إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إن المؤمن الصادق إذا حصلت أي فتنة بين إخوانه أو خلانه له سبيل لا يرضى بسواه، وطريق ومنهج لا يبتغي عداه، له سبيل واضح أساسه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا السبيل سار عليه سلفنا الصالح، وسارت عليه الأمة المهدية الصالحة التقية، التي عرفت ربها، وراقبت خالقها، وانتهجت المناهج التي فيها فلاحها وفوزها.

إذا نزلت الفتن أو المحن بالمؤمن فإنه لا يعتصم بغير الله عز وجل، ولا يعرف طريقاً غير طريق الكتاب والسنة ولا جماعة غير جماعة الكتاب والسنة، من دعا إلى قول الله أجابه: لبيك وسعديك! ومن دعا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجابه قلباً وقالباً، إننا في أمس الحاجة أن نحقق التزامنا، وأن يكون الملتزم صادقاً في التزامه وإيمانه، فليس الإسلام بالتحلي ولا بالتمني، ولكن الإسلام الحق: الاستسلام والانقياد لله تبارك وتعالى، العبودية الخالصة التي يرضاها الله عز وجل منك في أي حالة وأي ظرف، فنحن نحتاج إلى هذا الاستسلام لأن الأهواء كثيرة، والآراء متناقضة متباعدة، ولكن كتاب الله حبلٌ متين، وصراطٌ مستقيم، لا يضل عنه إلا هالك، وقد أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى فضل هذا السبيل، وعلى علو مقام هذا الدليل، فأخبر أن من رحمة الله عز وجل أنه أبقاه ما بقي النيِّران -أبقى الكتاب والسنة- ما بقيت الدنيا، وما بقيت الحياة، غضة طرية كأنها نزلت اليوم.

الاعتصام بالكتاب والسنة

فأول ما يفكر فيه الشاب الملتزم في أي قضية تمس دينه، وأي مسألة تنزل به أن يفكر في طاعة الله عز وجل، أن يسأل ماذا قال الله؟! وماذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! هذه القضية الأولى، إذا جاءك أي قول فاعرضه على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بعد ذلك التزم حكم الله ولو كان بخلاف ما تهوى، قال الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] أهل الإيمان من صفاتهم التسليم للرحمن.. وأهل الإيمان من صفاتهم الانقياد لكلام الديان.. هذا هو الإيمان الحق، والله إذا نظر الله عز وجل إليك في الفتن والمحن لا تبتغي سبيلاً غير سبيله، ولا طريقاً غير طريقه أحبّك وأدناك، واصطفاك واجتباك، وأنقذك من شرور هذه الفتن والمحن، ولذلك يقول بعض العلماء: إن الله عز وجل أخبر عن الفتن على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أخبر بعلاجها حينما أمر الصحابة بالاعتصام بالكتاب والسنة.

وفي الحديث الصحيح -حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب الصحابة، وكانت خطبة بليغة، وموعظة عظيمة، حتى أن العرباض رضي الله عنه قال: (وعظنا موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت من العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا) قال: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) فأول ما يفكر فيه الإنسان الملتزم الحق إذا جاءته فتنة أن لا يقيم الفتن بالرجال، ولا يقيمها بالقيل والقال، ولكن يقيِّمها بكتاب الله وسنة المهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقيِّمها حينما يسمع الأقوال والأفعال، ويزنها بهذا الميزان، ولذلك لا نجاة إلا لأصحاب هذا الخلق المبارك، خلق الرجوع إلى الكتاب والسنة، وهذه منحة من الله لا يشرح لها كل صدر، ولكن يشرح لها عباده الصالحين الصادقين في الإيمان، الصادقين في العبودية للرحمن، وخير ما يوصى به المؤمن في خضم هذه الفتن والمحن أن يعف لسانه، وسمعه وبصره، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (تكون فتنة، النائم فيها خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الماشي) فتن تهز القلوب، قد تخرج منك كلمة توجب دمار الحياة، وتنتهي بالإنسان إلى الدمار والشقاء، في خضم الفتن لا تأمن أن تخرج منك كلمة في إخوان لك في الدين، أو تخرج منك عبارة يضل بها أقوام، أو تشهد على أناس بشهادة تُغل بها عنقك بين يدي الله عز وجل: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف:19] فالله الله في الفتن!

ضبط الجوارح والابتعاد عن الأهواء

يا شباب الصحوة! إننا بحاجة لمراقبة الله في أقوالنا وأسماعنا وأبصارنا وفي جميع حركاتنا وسكناتنا، إذا جاءت أي فتنة بنا إذا بنا نفترق شيعاً وأحزاباً! هذا يقول: لا، وهذا يقول: نعم، وهذا يقول: لا أقول لا ولا نعم؛ لأننا بعدنا عن كتاب الله، فأصبحنا في حيرة، وأصبحنا نقيم أنفسنا في الفتن والمحن بالأهواء والشهوات، فالله الله في دين آمنّا به! الله الله في سنة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سلمنا لها! أعط كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هواك، والتزم ما قاله الله وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإياك ثم إياك أن ينظر الله إليك لحظة في الحياة وقد عبدت هواك! فإن الله عز وجل يقول: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23] يقول بعض العلماء: الغريب أن هذه الآية أخبر الله عز وجل فيها عن أمرين:

الأمر الأول: قال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)، والأمر الثاني: قال: (أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) فأخبر أنه ضال، وأنه على علم -يعني عنده علم وبصيرةٌ- نسأل الله السلامة والعافية، يقول بعض العلماء: في هذا دليل على خطر الأهواء، إذا جئت إلى قضية إياك والهوى! ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) إذا جئت في أي قضية وأنت تهوى شخصاً معيناً أو طائفةٍ معينة فالتزم الحق، ولا تلتزم الأهواء، ولا تلتزم زيداً ولا عمراً، ولكن التزم كتاباً من الله أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، التزم كتاباً من اعتصم به نجا، ومن ابتغى الهدى في غيره ضل وغوى، التزم هذا الكتاب، واشرح له صدرك، وارضَ به حكماً وفيصلاً لك، فمن رضي بكتاب الله أرضاه الله، وكان له حسن العاقبة من الله.

إخواني في الله! أخوف من نخافه بعد الالتزام والهداية هي هذه الفتن، فتن القيل والقال، وأعظم ما تكون هذه الفتن إذا كانت فيها حقوق للمسلمين، والبلاء كل البلاء إذا كان الإنسان يتحدث بشيء لم تره عينه، ولم تسمعه أذنه، ولم يشهده ولم يحضره، والله تعالى يقول: وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا [يوسف:81] فالإنسان المؤمن البر والعفيف الصالح لا يشهد إلا بما علم، وأما ما لا علم له، فيكله إلى الله عز وجل علام الغيوب، فالله الله إخواني في الله، أن تأتي هذه الفتن فتصدنا عن دين الله، أو تجتالنا عن صراط الله، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينجينا وإياكم منها، وأن يعصمنا وإياكم من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا وإياكم على الصراط المستقيم، والسبيل القويم، إنه هو البر الرحيم، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

هذا الإيمان أساسه التسليم والإذعان لله تبارك وتعالى، فالمؤمن الحق هو الذي أسلم لله ظاهراً وباطناً، وهذا الإسلام يستلزم منك أموراً ينبغي عليك أن تقوم بها، وهذه الأمور دلائل تدل على صدق عبوديتك لله عز وجل، وقد شاء الله عز وجل أن يمتحن أهل الإيمان، وأن يبتلي صبر أهل الإحسان، ليميز الله الخبيث من الطيب، وليُظهر عز وجل صدق الصادقين، ونفاق المنافقين، وأعظم أمرٍ يظهر به إيمان المؤمن، وتسليمه لله عز وجل وإذعانه لله إذا نزلت الفتن، وادلهمّت المحن، وأصبح الإنسان بين الدعاة، كلٌُ يدعو إلى سبيل، وكلٌ يَظن أنه دليلٌ ونعم الدليل، وأصبح الإنسان بين أممٍ مختلفة، وآراء متباينة، تعصفه فتنٌ كهذا النوع، عندها يظهر إيمانه ويقينه وإسلامه وانقياده لله عز وجل، ولذلك أهم سمة للمؤمن في الفتنة والمحنة أنه معتصم بالله عز وجل، راجعٌ إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إن المؤمن الصادق إذا حصلت أي فتنة بين إخوانه أو خلانه له سبيل لا يرضى بسواه، وطريق ومنهج لا يبتغي عداه، له سبيل واضح أساسه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا السبيل سار عليه سلفنا الصالح، وسارت عليه الأمة المهدية الصالحة التقية، التي عرفت ربها، وراقبت خالقها، وانتهجت المناهج التي فيها فلاحها وفوزها.

إذا نزلت الفتن أو المحن بالمؤمن فإنه لا يعتصم بغير الله عز وجل، ولا يعرف طريقاً غير طريق الكتاب والسنة ولا جماعة غير جماعة الكتاب والسنة، من دعا إلى قول الله أجابه: لبيك وسعديك! ومن دعا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجابه قلباً وقالباً، إننا في أمس الحاجة أن نحقق التزامنا، وأن يكون الملتزم صادقاً في التزامه وإيمانه، فليس الإسلام بالتحلي ولا بالتمني، ولكن الإسلام الحق: الاستسلام والانقياد لله تبارك وتعالى، العبودية الخالصة التي يرضاها الله عز وجل منك في أي حالة وأي ظرف، فنحن نحتاج إلى هذا الاستسلام لأن الأهواء كثيرة، والآراء متناقضة متباعدة، ولكن كتاب الله حبلٌ متين، وصراطٌ مستقيم، لا يضل عنه إلا هالك، وقد أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى فضل هذا السبيل، وعلى علو مقام هذا الدليل، فأخبر أن من رحمة الله عز وجل أنه أبقاه ما بقي النيِّران -أبقى الكتاب والسنة- ما بقيت الدنيا، وما بقيت الحياة، غضة طرية كأنها نزلت اليوم.