أرشيف المقالات

عرض كتاب (الشرك بالله تعالى أنواعه وأحكامه)

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
عرض كتاب (الشرك بالله تعالى أنواعه وأحكامه)

إنَّ الناظر في واقع المسلمين الآن بعين الإنصاف، وبروح الشريعة، وبفهم مراد الله تعالى من رسالته الخاتمة وتعاليم الإسلام الحنيفة، لَيُدرِك الفجوةَ العظيمة بين الإسلام وحقيقته، وبين ما عليه كثيرٌ من المسلمين.
 
فإن المسلمين الآن قد جانبوا الشريعة، ووَلَّوْها الأدبارَ في معظم الأوامر إلا مَن رحمَ اللهُ، فصاروا مسلمين اسمًا، بعيدًا عن التحلِّي بالإسلام وأوامره ظاهرًا وباطنًا.
 
وفي غمار هذا المنظَر الموحِش الذي يُصيب النفسَ بالكآبة حزنًا على حال المسلمين، وعلى هجرهم العملَ بكتاب ربهم وسُنَّة نبيِّهم ظاهرًا وباطنًا، والحيرة في ضروب البحث عن حلول لهذه المأساة التي قد تذهب بالقوم ثم لا نرى لهم باقية، يُسَخِّر اللهُ تعالى لنا أحدَ طلبةِ العِلم الفضلاء، الذين عايشوا هذه الأحداث، وتأثروا بها فانفعلوا في اتجاه البحث عن حل لأحد الأمراض المعضلة التي ضرَبَت البشريةَ، ووقعَتْ في المنتسِبين للإسلام، فترى هذا الشيخ الفاضل قد سطر بقلمه واحدةً مِن الرسائل العلمية المباركة الشاملة المحقَّقة المدقَّقة في رصد أحدِ أخطرِ الأمراضِ، إن لم يكن أخطرها مطلقًا، فنراه يرصده ويتتبَّع أصوله وجذوره ومراحله ونشأته وتطوره وأسبابه ومظاهره وآثاره وأقسامه وخطره، وكيفية علاجه والفرار والتحصين منه؛ من خلال عرض محفوف بالآيات، مكلل بالأحاديث، مزيَّن بنُقُول العلماء سلفًا وخلفًا، ومصورًا بوقائع من الحياة، في منظومة جميلة عن تشخيص المرض وعلاجه والتحذير منه ومن آثاره وعواقبه، فنرى الشيخَ ماجد شبالة حفظه الله تعالى يناقش - في رسالته العلمية التي حصل بها على درجة الماجستير - قضية الشرك بالله تحت مسمى: "الشرك بالله أنواعه وأحكامه".
 
وقد قامت دارُ الإيمان بالإسكندرية بطبع هذه الرسالة العلمية القيمة في مجلد ضخم فاق ألف صفحة، بسِعرٍ في مُتناوَل الجميع بطبعة جيدة.
 
وبصراحة فإن هذا الكتاب يُعَدُّ واحدًا من الكتب الشاملة لموضوعها، وتَناوَل كلَّ جزئياته بالبحث والمناقشة، مع تبيين الأدلة على كل جزئية، والحق فيها في جمع المسائل بأدلتها، بالإضافة إلى تعدُّد الأدلة ما بين نقلية قرآنية وحديثية ونقول سلفية، وبين عقلية تخالط العقل والقلب في واحدة من أخطر القضايا التي تحدِّد الحكمة مِن الخلْق ووجود الكون، وهي إفراد الله تعالى بالعبادة.
 
فالمؤلف - سدَّده الله ووفَّقه - قد تتبَّع هذه القضية الخطيرة في حياة البشرية من نواحٍ متعددة؛ فمِن ذلك الاتجاه التاريخي؛ فتتبع نشأة الشرك وتاريخه وتطوره في حياة الناس، وردَّ بعض المزاعم في نسبة الشرك لنبي الله آدم عليه السلام، وغير ذلك من المسائل التي يرد فيها القول، ويذكر الأدلة، ويصحح الأقرب من جهة النقل والعقل، وهذا من المناهج التي تراها في ذلك الكتاب؛ فإن الشيخ حفظه الله تعالى قد تعرَّض في كثير من المسائل لبيان الحكم والعلل والردِّ على المخالف صراحة أو ببيان وجه الصواب في المسألة مدعمًا بالأدلة.
 
ولخطورة هذا الموضوع نرى المؤلفَ تتبَّع أسبابه، وبيَّن آثاره وتبعاته وأضراره بصورة شاملة بما تراه في ذلك الكتاب.
 
ولأنه من المقرَّر أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بمصالح الناس الدينية والدنيوية، فالمؤلف في جزء كبير من رسالته يناقِش موقف الشريعة الإسلامية من قضية الشرك بالله تعالى من عدة جوانب.
 
فمِن ذلك توضيح معنى الشرك، وبيان حقيقته وضوابطه، وكذلك بيان مسالك العلماء في تقسيم الشرك بحسب الظهور والخفاء، ومن ذلك الشرك باعتبار محله وتعلقه بأفعال العباد، فجعله على أقسام ثلاث؛ من: شرك قلبي، وعملي، وقولي، إلى غير ذلك من الأقسام التي تناولَت هذه القضية باعتبارات متنوعة.
 
وتناوَل المؤلفُ - حفظه الله ووفَّقه - اعتناءَ الشريعة الإسلامية بحماية مُعتَنقيها مِن الوقوع في براثن هذه الآفة الخطيرة؛ من خلال التحريم المباشر لوسائل الشرك، وسدِّ الذرائعِ والوسائل المؤدِّية إليه، من خلال توضيح الأساليب القرآنية والنبوية في التحذير من هذه القضية، وكيف اعْتَنَيَا ببيانِ خطورتها مِن خلال جملة كبيرة من الأمور المتمثِّلة في وجوب تنزيه الله تعالى، وإبطالِ ألوهيةِ غيرِه، وحتمية إفرادِهِ بالعبادة، مع ذكْر عاقبةِ الشِّرك والمشركين، والاستدلال على ذلك بمختلف الأدلة من أمثلة وحجج وبراهين فطرية وعقلية، وإظهار كيفية رعاية القرآن لجانب التوحيد، وكذلك بيان الطرق التي حَمَى بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم التوحيدَ من الناحية القولية والعملية بذكر النماذج والأمثلة.
 
ولما ذكر الشيخُ - بارك الله فيه و سدَّده - الشِّركَ وصُوَرَه وحُكْمَه ومواقف الشريعة الإسلامية منه قَعَّدَ وأَصَّلَ الضوابط التي يُحْكَم بها على الفعل أنه شرك، وأكَّد حتميةَ معرفةِ العبدِ حدَّ الشرك حتى لا يقع فيه؛ فقال في ذلك (ص255): "فكما يجب على المكلَّف معرفةُ حدِّ العبادة التي خَلَقَنا اللهُ مِن أجْلها وحقيقتها، يجب عليه معرفةُ حدِّ الشرك وحقيقته؛ خصوصًا مع وجود الخَلْط والانحراف في حدِّ الشرك وحقيقته عند بعض الفِرَقِ المنتسِبة إلى الإسلام، وخاصة المتكلمين والفلاسفة والقبوريين الذين لم يفهموا حدَّ الشرك وضوابطه، فأخرجوا منه أنواعًا كثيرة، دلَّ على كونها شركًا صريحُ النصوص من الكتاب والسُّنَّة والإجماع والمعقول" ا.هـ.
ثم ذكر بعد ذلك الضوابط التي يكون بها العمل شركًا.
 
ولما كان مِن البدهي أن الفعل لا يقوم إلا بفاعل، لزم على ذلك معرفةُ حُكْمِ مَن تَلَبَّسَ بهذه الطامَّة الكُبرَى، فلذلك تَناوَلَ الشيخ - حفظه الله - بيانَ: متى يكون مَن تلبَّس بالشرك مشركًا، وبيَّن شروطَ الحكْم على الفاعل بالشرك والكفر؛ مِن خلال تحديد مناط التكفير وشروطه؛ من خلال قضية إقامة الحجة وضوابط ذلك.
 
ولما ظهر مَن يُعارِض وقوعَ الشرك في أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب جهله، وعدم إدراكه لمدى جهل الناس بالدين، وإعراضهم عن تعلُّمه والعمل به، بيَّن الشيخُ - حفظه الله - بالأدلة والبراهين والنقول وقوعَ ذلك في الأمَّة.
 
مع التمثيل له مِن الواقع المعاصر بنوعين مِن الشرك؛ ولما لم يرتدع المخالفُ لذلك، وجادَل وألقَى بالشبهات، تصدَّى فارسُنا المغوار لخوضِ معركة في الرد على الشبهات، راكبًا فرس الحجج والبراهين، شاهرًا سيف الأدلة القاطعة والآيات والأحاديث الساطعة، مِن خلال ردِّ الشبهات وتفنيدها وبيان بطلانها كما تراه أخي القارئ في الفصول والمباحث المخصصة لذلك.
 
ولم يكتف الشيخ بذلك، بل رأى أنه من الواجب أن يأتي على بُنيان المشركين مِن القواعد، وأن يستأصل شأفتهم، فتناوَل ذرائع الشرك، وبيَّن خطورتها، وذكر الأدلة الواردة في التحذير منها مع الاهتمام بأمرين:
1- رد الشبهات.
2- التمثيل بالواقع المعاصر.
 
وخَتَمَ الشيخُ حفظه الله رسالته الماتعة الجامعة المفيدة بفصلٍ جمع فيه الأحكامَ المتعلقة بالتعامُل مع المشركين من جوانب متعددة؛ مثل الجانب العقدي، والسلوكي، وجانب العبادات، والمعامَلات.
 
فالاعتقاد تَناوَل فيه وجوبَ اعتقادِ كفر المشركين، وذكَرَ دليلَهُ، وبيَّن أن مخالفته مِن نواقض الإسلام، وقال - وفقه الله - في بيان أهمية هذا الأمر:
"وبهذا يتبيَّن لنا أنه لا بدَّ لكل مسلم موحِّد أن يكفِّر المشركين، ويعتقد ذلك، ويلتزم بما يترتَّب على هذا الاعتقاد مِن وجوب البُغض لهم، والبراءة منهم كما سيأتي، وغياب هذا الحكْم - أعني: وجوب اعتقاد كفْر المشركين - يؤدِّي إلى اختلالٍ عظيمٍ في عقيدة المسلم؛ حيث يؤدِّي به إلى..." إلى آخر ما تراه مِن آثارٍ للإخلال بهذا الأمر.
 
وفي غضون ذلك نراه يَتَعرَّض لواحدةٍ مِن أخطر الدعاوى المعاصرة وأشدِّها خبثًا وهي دعوة إلى وحدة الأديان، مبيِّنًا حُكْمَها، والآثار المترتبة عليها، وموقف الشريعة الإسلامية مِن ذلك.
 
وبعد أن ذَكَرَ حُكم الموقف الاعتقادي مِن المشركين؛ أردَفَه بالموقف القولي ممثَّلًا في السلام والاستغفار وتهنئتهم بالأعياد، وذكر موقف الشرع من ذلك.
 
ثم تعرض حفظه الله لِحُكْم طهارة المشركين ونجاستهم، وكذلك هل يجوز دخولهم المسجد أو دخول بقاع عبادتهم، وأردف ذلك بمناقشة حُكْم إعطاء المشركين من الزكاة أو الصدقات، ثم ألحق ذلك بأحكام النكاح والمواريث والنفقات المتعلقة بالمشركين، إلى أن وَصَل إلى حُكم ذبيحتِهم والسفر إلى بلادهم، إلى غير ذلك مِن فِقْهِ الاستعانة بهم في الأمور الدنيوية كالأعمال والصنائع والحروب، ثم يُنْهي المؤلفُ رسالتَه بجملةٍ مِن التوصيات والمقترحات جُمْلتُها الاهتمام بالتوحيد، والوصية بذلك، وإرشاد العلماء والدعاة وطلبة العلم إلى تبيين التوحيد للناس، وإحياء دَوْر المؤسسات الإسلامية من مساجد ومدارس لتدريس العقيدة، بالإضافة إلى جمع شبهات المخالف والرد عليها وبيان بطلانها، وحث الدعاة والعلماء والأمراء على حماية التوحيد، ومنْع كل ما يناله مِن أهل البدع والضلالات وكتبهم وخرافاتهم ودعواتهم في ظل تحكيم الشريعة الإسلامية في بلدان المسلمين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢