خطب ومحاضرات
تفسير سورة المؤمنون (14)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المؤمنون المكية فهيا بنا مع تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها إن شاء الله تعالى.
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ * وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [المؤمنون:78-83].
الاستدلال على وجود الله تعالى
وَهُوَ [المؤمنون:78]، لا غيره، الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [المؤمنون:78]، من خلق قلوبنا حتى أصبحنا ندرك الأشياء ونفهم ونعرف بواسطتها الخير والشر، والباطل والحق؟ لولا هذه القلوب التي خلقها الله ووهبنا إياها، ومن وهبنا أسماعنا فأصبحنا نسمع الأصوات على اختلافها؟ من وهب أبصارنا فأصبحنا نبصر الأشياء على اختلافها وتنوعها؟
إذاً: استدلالهم بهذا على وجود الله تعالى، وعلى علمه وقدرته وحكمته، وعلى أنه المعبود الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، وهو معنى: لا إله إلا الله، فقولوها يرحمكم الله! فلا تتعلق القلوب بغير الله تعالى، وذلك لا خوفاً ولا رهبة ولا طمعاً ولا رغبة، إذ ما لنا إلا الله تعالى، فلا نقبل بوجوهنا على غير الله تعالى، ولا بقلوبنا على سوى الله تعالى، إذ هو واهبنا هذه النعم التي دلت على وجوده وعلمه وحكمته وقدرته، ودلت على امتنانه وإنعامه وإفضاله، ومن قال: كيف؟ أرأيتك لو كنت أعمى لا تبصر؟ وأصم لا تسمع؟ ومجنون لا تعي ولا تفهم؟ من يهبك هذه النعم: أمك أم أبوك؟ لا أحد، إذاً فلنذكر النعمة من أجل أن نشكرها، قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [المؤمنون:78].
علة وسر وجود الحياة الدنيا
والآن العلمانيون والبلاشفة الحمر والشيوعيون والزنادقة والمنافقون لا يؤمنون بالله ولا يسألون عنه أبداً، وإنما يعيشون كالبهائم يأكلون ويشربون وينكحون، ولا يسألون ممن هذه النعم؟ من خلقها؟ من وهبها؟ من نحن؟ كيف وجدنا؟ كيف وجدت هذه النعم؟ لماذا وجدت؟ وذلك من أجل فقط ألا يعبدوا الله تعالى، وحتى لا يركعوا له ويسجدوا، وحتى لا يحلوا ما أحل الله ولا يحرموا ما حرم الله، بل الآن بلايين البشر هذه حالهم، قولوا لهم: اعبدوا الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، فإن قالوا من هو؟ قولوا: الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [المؤمنون:78]، لتشكروه، وأنت الآن لو تهدى لك هدية أو تعطى لك عطية، فإنه والله لا تطمئن نفسك أبداً حتى تعرف من أهداها؟ ومن أعطاكها؟ فتسأل: من هو الذي أعطاني هذا؟ فكيف بهذه النعم العظمى التي لا تقاس بنعم أخرى بعد نعمة الإيمان؟ ومع ذلك لا يسألون من وهبنا أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا؟!
ونعود إلى الحقيقة فنقول: الشكر عباد الله! هو سر هذه الحياة وعلة هذا الوجود، فقد أراد الله تعالى أن يذكر ويشكر، فخلق هذه العوالم كلها وبخاصة عالم الملائكة والإنس والجن، وذلك من أجل أن يذكر ويشكر، فمن ذكر الله بلسانه وقلبه وشكره بلسانه وقلبه فقد نجا وفاز، بل وسعد، ومن أعرض عن ذكر الله وشكره فقد هلك وخسر خسرناً أبدياً، وقضى أيامه الدنيوية في بلاء وشقاء وضيق عظيم، ومن ثم ينتقل إلى عالم لا ينتهي شقاؤه أبداً، لا أقول: عاماً ولا بليون سنة، وإنما حياة أبدية لا تنتهي.
الشكر هو الاعتراف بالنعمة أولاً للمنعم، فهذا المال الذي في جيبي من الذي أنعم به علي؟ لابد وأن نعرف أنه الله تعالى، فإذا عرفت المنعم حمدته فقلت: الحمد لله، ولذا فاذكر النعمة واذكر المنعم، أي: اعترف بوجود نعمة موجودة، واذكر من أوجدها؟ والمنعم بها من هو؟ ثم بعد ذلك أعلن عن حمده وشكره، فلا نأكل ولا نشرب ولا نمشي ولا نركب ولا ننزل إلا وكلمة: الحمد لله دائماً، حتى المريض على سرير الموت يسأل: كيف حالك؟ يقول: الحمد لله، أو الجائع يسأل: كيف حالك؟ فيقول: الحمد لله، ولهذا عُرِفنا في الكتب السابقة وعند الأمم الماضية بأمة الحمد أو بالحمادين، فمن هم الحمادون؟ المسلمون، والواقع شاهد على ذلك، فأيما مؤمن عرف ربه واستقام على منهجه تسأله عن حاله؟ لا يقول إلا: الحمد لله.
واجب المسلم تجاه نعم الله تعالى عليه
وهنا منزلق قد وقعنا فيه ألا وهو: إذا وظفنا المؤمنات مع الرجال يشتغلن، فأسألكم بالله! هل يمكن للرجال أن يغضوا أبصارهم؟ مستحيل، وهل يمكن للموظفات المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن؟ والله لا يمكن، إذاً فهذا التوظيف حرام لا يحل، بل وليس من شأن المؤمنين أهل لا إله إلا الله أن يفعلوا هذا، إذ إن هذا من شأن الكافرين عليهم لعائن الله؛ لأنهم كفروا بالله وأنكروا دينه وشرعه، وهم يعيشون كالبهائم، فكيف نصبح مثلهم؟ أو أننا لا نبالي بمعصية الله تعالى؟ حينئذٍ نكون قد كفرنا وخرجنا من ملة الإسلام، وعلى كل حال فإن نعمة البصر يجب أن تشكر الله تعالى عليها بالحمد لله، وألا تنظر بها حيث لا يريد الله ذلك.
وثانياً: نعمة السمع، فينبغي ألا تسمع إلا ما أذن الله بسماعك له، أما ما حرمه الله ومنعه فلا يحل لك أن تستخدم هذه النعمة فيما يغضب المنعم جل جلاله وعظم سلطانه، ومعنى هذا: لا نسمع باطلاً ولا زوراً ولا غناء ولا شراً ولا ظلماً ولا خبثاً ولا غيبة ولا نميمة، بل ما نستعمل أسماعنا إلا فيما يرضي ربنا؛ لأننا مأمورون بالشكر، فلنشكر هذه النعمة، فإذا وجدنا مجلساً يغتابون فيه أو ينمون أو يذكرون الباطل فيجب أن نغلق آذاننا وأن نخرج من هذا المكان، أو جلسنا في مجلس باطل وسوء يتحدثون فيه بما لا ينبغي مما يغضب الله تعالى، فلا يحل لمؤمن أن يجلس معهم، وإن اضطر فليغلق أذنيه بأصبعيه ولا حرج.
وكذلك هذه المظاهر أو هذه المزامير والأباطيل التي تحملها الصحون الهوائية جرم عظيم جداً، وقد نددنا بهذا وما زلنا نندد، وقلنا: لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينظر إلى عاهرة تغني، والمؤمنة كذلك لا يحل لها أن تنظر إلى فاجر يغني، إذ إننا لسنا من أهل هذا الفجور والعصيان؛ لأننا نريد أن ننزل بعد الموت في السماء العليا في جنة عدن، فلهذا إن تنازلنا على هذه الترهات وابتعدنا عن هذه الأباطيل ليس هناك أبداً ما يزعجنا، فنتهيأ لأن نساكن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولا تعجبوا من ذلك، ودائماً نقول: يا صاحب الدش أو التلفاز! كيف تجلس أنت ووالدتك وبناتك وأبناؤك فتنظرون إلى العواهر والمغنين والراقصين وتتمتعون؟! أسألكم بالله! ماذا تستفيدون؟ ريالاً واحداً؟ والله لا ريال واحد، وإنما تجلس الساعة والساعتين بدون ريال، فهل تستفيدون حسنة؟ الجواب: لا؛ لأنها كلها سيئة، فكيف إذاً للمؤمن الذي يريد أن يخترق السموات وينزل في مواكب النبيين يعبث كما يعبث اليهود والنصارى والكافرون المشركون، بل ويعيش على ما يعيشون عليه، ويقول: ما المانع إذا جلسنا ونظرنا؟! وقد قررنا وقلنا: نعوذ بالله! إن أغلب من يواظب على هذا المنظر يموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله.
نعود فنقول: الشكر وذكر الله علة حياتا وسر وجودنا، فلنعيش طول حياتنا ذاكرين لله تعالى، فلا تمضي ساعة لا نذكر الله فيها أبداً إلا ساعة النوم، ودائماً ألسنتا قائمة بذكر الله في كل أحوالنا وظروفنا، فلا نأكل ولا نقول: من أنعم علينا بهذه النعمة؟! هذا الله أنعم بها علينا، فهيا نحمده ونشكره، أو أعطاك يدين قويتين فلا تحمل بهما ما لا يحل لك، ولا أن تستعملها فيما لا يرضي ربك، أو وهبك رجلين تمشي بهما فلا تمش خطوة واحدة حيث يغضب الله ولا يرضى، واعلم أنك عبده والعبد تابع لسيده فيما يحب ويرضى وفيما يسخط ويكره.
إذاً: هكذا يقول تعالى معلماً: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [المؤمنون:78]، ولم يقل: الأسماع لأن السمع آلة لا تسمع بها إلا الصوت فقط، وأما الأبصار فتبصر بها أشياء متنوعة، وذلك من النملة إلى الجمل، والأفئدة جمع: فؤاد، فتعقل بها وتفهم بها عجائب الكون، قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [المؤمنون:78]، وقال: قَلِيلًا [المؤمنون:78]، من باب الاحتراز، إذ قد يوجد من يشكر الله في الأمة، فلا يقول عبارة قد تنقض بوجود فلان من الشاكرين، والواقع أنهم ما كانوا شاكرين.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [المؤمنون:78]، في هذه الآية استدلال وامتنان، إذ يُستدل بها على وجود الله تعالى، وأنه ذو الحكمة والرحمة والعلم والقدرة، إذ هو الذي وهبنا أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا، فلنسأل عنه حتى نعرفه؟ إنه الله رب السموات والأرض ورب العالمين.
وَهُوَ [المؤمنون:78]، لا غيره، الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [المؤمنون:78]، من خلق قلوبنا حتى أصبحنا ندرك الأشياء ونفهم ونعرف بواسطتها الخير والشر، والباطل والحق؟ لولا هذه القلوب التي خلقها الله ووهبنا إياها، ومن وهبنا أسماعنا فأصبحنا نسمع الأصوات على اختلافها؟ من وهب أبصارنا فأصبحنا نبصر الأشياء على اختلافها وتنوعها؟
إذاً: استدلالهم بهذا على وجود الله تعالى، وعلى علمه وقدرته وحكمته، وعلى أنه المعبود الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، وهو معنى: لا إله إلا الله، فقولوها يرحمكم الله! فلا تتعلق القلوب بغير الله تعالى، وذلك لا خوفاً ولا رهبة ولا طمعاً ولا رغبة، إذ ما لنا إلا الله تعالى، فلا نقبل بوجوهنا على غير الله تعالى، ولا بقلوبنا على سوى الله تعالى، إذ هو واهبنا هذه النعم التي دلت على وجوده وعلمه وحكمته وقدرته، ودلت على امتنانه وإنعامه وإفضاله، ومن قال: كيف؟ أرأيتك لو كنت أعمى لا تبصر؟ وأصم لا تسمع؟ ومجنون لا تعي ولا تفهم؟ من يهبك هذه النعم: أمك أم أبوك؟ لا أحد، إذاً فلنذكر النعمة من أجل أن نشكرها، قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [المؤمنون:78].
فهيا بنا نتدارس الشكر ونكرر القول فيه، وذلك لأننا مأمورون بالشكر، وقد عرفنا أن علة هذه الحياة، وسر هذا الوجود هو الذكر والشكر لله تعالى، إذ الذي يذكر ويشكر نحن وبني عمنا الجان فقط، أما الحيوانات فليست مكلفة بالذكر ولا بالشكر، والشكر هو الاعتراف القلبي الباطني بالمنعم الذي أنعم عليك، فلا تعيش كالبهيمة لا تسأل، فأنت موهوب السمع والبصر والقلب، فكيف لا تعرف من أين هذا؟ ولا تسأل عمن وهبك هذا؟ ثم أيجوز لعاقل هذا؟ لو تعطى قلماً فقط في جيبك فسوف تسأل من أعطانيه؟ ولم أعطانيه؟ وتشكره على ذلك، أما أن توهب سمعك وبصرك وقلبك وفؤادك، ثم لا تسأل من المنعم؟! فهم كذلك لا يسألون حتى لا يعبدوا الله رب العالمين.
والآن العلمانيون والبلاشفة الحمر والشيوعيون والزنادقة والمنافقون لا يؤمنون بالله ولا يسألون عنه أبداً، وإنما يعيشون كالبهائم يأكلون ويشربون وينكحون، ولا يسألون ممن هذه النعم؟ من خلقها؟ من وهبها؟ من نحن؟ كيف وجدنا؟ كيف وجدت هذه النعم؟ لماذا وجدت؟ وذلك من أجل فقط ألا يعبدوا الله تعالى، وحتى لا يركعوا له ويسجدوا، وحتى لا يحلوا ما أحل الله ولا يحرموا ما حرم الله، بل الآن بلايين البشر هذه حالهم، قولوا لهم: اعبدوا الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، فإن قالوا من هو؟ قولوا: الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [المؤمنون:78]، لتشكروه، وأنت الآن لو تهدى لك هدية أو تعطى لك عطية، فإنه والله لا تطمئن نفسك أبداً حتى تعرف من أهداها؟ ومن أعطاكها؟ فتسأل: من هو الذي أعطاني هذا؟ فكيف بهذه النعم العظمى التي لا تقاس بنعم أخرى بعد نعمة الإيمان؟ ومع ذلك لا يسألون من وهبنا أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا؟!
ونعود إلى الحقيقة فنقول: الشكر عباد الله! هو سر هذه الحياة وعلة هذا الوجود، فقد أراد الله تعالى أن يذكر ويشكر، فخلق هذه العوالم كلها وبخاصة عالم الملائكة والإنس والجن، وذلك من أجل أن يذكر ويشكر، فمن ذكر الله بلسانه وقلبه وشكره بلسانه وقلبه فقد نجا وفاز، بل وسعد، ومن أعرض عن ذكر الله وشكره فقد هلك وخسر خسرناً أبدياً، وقضى أيامه الدنيوية في بلاء وشقاء وضيق عظيم، ومن ثم ينتقل إلى عالم لا ينتهي شقاؤه أبداً، لا أقول: عاماً ولا بليون سنة، وإنما حياة أبدية لا تنتهي.
الشكر هو الاعتراف بالنعمة أولاً للمنعم، فهذا المال الذي في جيبي من الذي أنعم به علي؟ لابد وأن نعرف أنه الله تعالى، فإذا عرفت المنعم حمدته فقلت: الحمد لله، ولذا فاذكر النعمة واذكر المنعم، أي: اعترف بوجود نعمة موجودة، واذكر من أوجدها؟ والمنعم بها من هو؟ ثم بعد ذلك أعلن عن حمده وشكره، فلا نأكل ولا نشرب ولا نمشي ولا نركب ولا ننزل إلا وكلمة: الحمد لله دائماً، حتى المريض على سرير الموت يسأل: كيف حالك؟ يقول: الحمد لله، أو الجائع يسأل: كيف حالك؟ فيقول: الحمد لله، ولهذا عُرِفنا في الكتب السابقة وعند الأمم الماضية بأمة الحمد أو بالحمادين، فمن هم الحمادون؟ المسلمون، والواقع شاهد على ذلك، فأيما مؤمن عرف ربه واستقام على منهجه تسأله عن حاله؟ لا يقول إلا: الحمد لله.
إذاً: الاعتراف أولاً بالنعمة، وحمد الله باللسان ثانياً. وثالثاً: صرف النعمة فيما يرضي المنعم جل وعز، أي: صرف النعمة فيما يرضيه تعالى، فهيا نبدأ بأبصارنا، إن نعمة البصر أعظم نعمة أنعم الله بها علينا، ولذا فاشكر الله عليها وقل: الحمد لله، وذلك معترفاً بها أنها من الله تعالى، وإياك أن تصرفها فيما يغضب الله تعالى، إذ إن هناك مناظر لا يحل النظر إليها، فلا يحل لك مثلاً أن تنظر إلى امرأة غير محرم من محارمك فتتمتع بالنظر إليها، فإن فعلت فقد عصيت وكفرت هذه النعمة ولم تشكرها، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30]، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تنظر إلى رجل أجنبي وتتمتع بالنظر إليه، ولا يعفى من ذلك إلا النظرة الأولى التي هي الصدفة بدون قصد، وبعد ذلك لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينظر ويتمتع بالنظر.
وهنا منزلق قد وقعنا فيه ألا وهو: إذا وظفنا المؤمنات مع الرجال يشتغلن، فأسألكم بالله! هل يمكن للرجال أن يغضوا أبصارهم؟ مستحيل، وهل يمكن للموظفات المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن؟ والله لا يمكن، إذاً فهذا التوظيف حرام لا يحل، بل وليس من شأن المؤمنين أهل لا إله إلا الله أن يفعلوا هذا، إذ إن هذا من شأن الكافرين عليهم لعائن الله؛ لأنهم كفروا بالله وأنكروا دينه وشرعه، وهم يعيشون كالبهائم، فكيف نصبح مثلهم؟ أو أننا لا نبالي بمعصية الله تعالى؟ حينئذٍ نكون قد كفرنا وخرجنا من ملة الإسلام، وعلى كل حال فإن نعمة البصر يجب أن تشكر الله تعالى عليها بالحمد لله، وألا تنظر بها حيث لا يريد الله ذلك.
وثانياً: نعمة السمع، فينبغي ألا تسمع إلا ما أذن الله بسماعك له، أما ما حرمه الله ومنعه فلا يحل لك أن تستخدم هذه النعمة فيما يغضب المنعم جل جلاله وعظم سلطانه، ومعنى هذا: لا نسمع باطلاً ولا زوراً ولا غناء ولا شراً ولا ظلماً ولا خبثاً ولا غيبة ولا نميمة، بل ما نستعمل أسماعنا إلا فيما يرضي ربنا؛ لأننا مأمورون بالشكر، فلنشكر هذه النعمة، فإذا وجدنا مجلساً يغتابون فيه أو ينمون أو يذكرون الباطل فيجب أن نغلق آذاننا وأن نخرج من هذا المكان، أو جلسنا في مجلس باطل وسوء يتحدثون فيه بما لا ينبغي مما يغضب الله تعالى، فلا يحل لمؤمن أن يجلس معهم، وإن اضطر فليغلق أذنيه بأصبعيه ولا حرج.
وكذلك هذه المظاهر أو هذه المزامير والأباطيل التي تحملها الصحون الهوائية جرم عظيم جداً، وقد نددنا بهذا وما زلنا نندد، وقلنا: لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينظر إلى عاهرة تغني، والمؤمنة كذلك لا يحل لها أن تنظر إلى فاجر يغني، إذ إننا لسنا من أهل هذا الفجور والعصيان؛ لأننا نريد أن ننزل بعد الموت في السماء العليا في جنة عدن، فلهذا إن تنازلنا على هذه الترهات وابتعدنا عن هذه الأباطيل ليس هناك أبداً ما يزعجنا، فنتهيأ لأن نساكن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولا تعجبوا من ذلك، ودائماً نقول: يا صاحب الدش أو التلفاز! كيف تجلس أنت ووالدتك وبناتك وأبناؤك فتنظرون إلى العواهر والمغنين والراقصين وتتمتعون؟! أسألكم بالله! ماذا تستفيدون؟ ريالاً واحداً؟ والله لا ريال واحد، وإنما تجلس الساعة والساعتين بدون ريال، فهل تستفيدون حسنة؟ الجواب: لا؛ لأنها كلها سيئة، فكيف إذاً للمؤمن الذي يريد أن يخترق السموات وينزل في مواكب النبيين يعبث كما يعبث اليهود والنصارى والكافرون المشركون، بل ويعيش على ما يعيشون عليه، ويقول: ما المانع إذا جلسنا ونظرنا؟! وقد قررنا وقلنا: نعوذ بالله! إن أغلب من يواظب على هذا المنظر يموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله.
نعود فنقول: الشكر وذكر الله علة حياتا وسر وجودنا، فلنعيش طول حياتنا ذاكرين لله تعالى، فلا تمضي ساعة لا نذكر الله فيها أبداً إلا ساعة النوم، ودائماً ألسنتا قائمة بذكر الله في كل أحوالنا وظروفنا، فلا نأكل ولا نقول: من أنعم علينا بهذه النعمة؟! هذا الله أنعم بها علينا، فهيا نحمده ونشكره، أو أعطاك يدين قويتين فلا تحمل بهما ما لا يحل لك، ولا أن تستعملها فيما لا يرضي ربك، أو وهبك رجلين تمشي بهما فلا تمش خطوة واحدة حيث يغضب الله ولا يرضى، واعلم أنك عبده والعبد تابع لسيده فيما يحب ويرضى وفيما يسخط ويكره.
إذاً: هكذا يقول تعالى معلماً: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ [المؤمنون:78]، ولم يقل: الأسماع لأن السمع آلة لا تسمع بها إلا الصوت فقط، وأما الأبصار فتبصر بها أشياء متنوعة، وذلك من النملة إلى الجمل، والأفئدة جمع: فؤاد، فتعقل بها وتفهم بها عجائب الكون، قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [المؤمنون:78]، وقال: قَلِيلًا [المؤمنون:78]، من باب الاحتراز، إذ قد يوجد من يشكر الله في الأمة، فلا يقول عبارة قد تنقض بوجود فلان من الشاكرين، والواقع أنهم ما كانوا شاكرين.
الآية الثانية: قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ [المؤمنون:79] أي: خلقكم ونشركم في الأرض، وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المؤمنون:79]، هل هناك معه أحد فعل هذا؟ أسألكم بالله! هل هناك من شارك الله في خلقنا وزرعنا وإنباتنا في هذه الأرض؟ لا أحد، إذاً فلا يعبد إلا هو سبحانه وتعالى.
وثانياً: وَإِلَيْهِ [المؤمنون:79]، لا إلى غيره نجمع في صعيد واحد، في أرض واحدة، وذلك لنقابله فيختبرننا ويمتحننا ويظهر الطيب منا والخبيث فينا، وَإِلَيْهِ [المؤمنون:79]، لا إلى غيره، تُحْشَرُونَ [المؤمنون:79]، وبالتالي فهذا الذي خلقنا ونحشر إليه هو فقط الذي يجب أن نعبده، وهو الذي نحبه ونطرح بين يديه، وهو الذي نحب ما يحب ونكره ما يكره، أما هذه الأصنام والأحجار والتماثيل والشهوات والأهواء والأطماع وزخارف الدنيا فلا قيمة لها أبداً، وبالتالي كيف نميل إليها ونطرح بين يديها ونترك الذي ذرأنا، وإليه لا إلى سواه حشرنا وجمعنا؟! إن هذا تقرير لمبدأ الإيمان بالدار الآخرة، وقد بين لنا القرآن ورسول القرآن صلى الله عليه وسلم كيف يكون الحشر؟ إنها نفخة في الصور فإذا بالبشرية كلها واقفة في صعيد واحد، ثم تحشر وتجمع لساحة فصل القضاء والحكم عليها.
وَهُوَ [المؤمنون:79]، لا سواه، لا عيسى ولا أمه ولا العزير ولا عبد القادر الجيلاني ولا عيدروس ولا فاطمة ولا الحسين ولا رسول الله، وَهُوَ [المؤمنون:79]، وحده سبحانه وتعالى، الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ [المؤمنون:79].
وثانياً: وَإِلَيْهِ [المؤمنون:79]، لا إلى غيره، تُحْشَرُونَ [المؤمنون:79]، فهذا الذي يجب أن نطيعه، وهذا الذي يجب أن نعبده، وهذا الذي يجب أن نحب ما يحب، ونكره ما يكره، وهذا الذي نحن مستعدون لأن نمتثل أمره ونجتنب نهيه؛ لأنه أنعم علينا بوجودنا، فكيف لا نعبده ونلتفت إلى غيره؟! وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المؤمنون:79].
ويقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [المؤمنون:80]، من يستطيع أن يقول: هناك من يحيي ويميت غير الله تعالى؟ الملاحدة والكفار والجهال والضلال لا يعرفون ذلك، واسأل أحدهم: من يحيي ويميت؟ يقول لك: لا أدري! لمَ لا تدري؟ إن الحياة أمامك تشاهدها في كل المخلوقات فلا تسأل عن واهبها وموجدها وباعثها ومعطيها؟ هل تعيش كالحيوان؟ إنه الله لا سواه الذي يحيينا، إذ كنا نطفاً في أرحام أمهاتنا فأحيانا مضغة ونفخ فيها الروح وإذا بها بشر يسمع ويبصر وينطق ويمشي، ثم يميتنا. هل هناك من يميتنا؟ ليس أبداً في الكون من يحيي ويميت إلا الله تعالى، وبالتالي فلا إله إلا الله، ولا يعبد إلا هو سبحانه.
وإن قلت: فلان يميت؟ أي: يقتل الناس؟ فأقول: هذا الذي يقتل الناس من خلقه؟ ويده من حركها؟ وسلاحه من أوجده؟ ما دام أنه قد باشر الجريمة بيديه فيؤاخذ بها، لكن القتل الحقيقي المميت هو لله عز وجل، وقد شاهدت البشرية في طول حياتها أناساً ظنهم أنهم سيموتون فما ماتوا، وأناس عزموا ألا يموتوا فأماتهم الله تعالى، والشاهد عندنا في أن الله هو الذي يحيي ويميت، فلا يعبد إلا هو سبحانه، ولا يذكر ولا يشكر إلا هو، ولا يقرأ إلا كتابه، ولا يمشى إلا وراء نبيه، ولا يحب إلا من أجله، ولا يكره إلا من أجله.
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [المؤمنون:80]، وهذه الآية الأولى، وآية أخرى هي: وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [المؤمنون:80]، فالليل والنهار من أوجدهما؟ بنو فلان؟ أمريكا؟ اليابان؟ الصين؟ إن الليل والنهار، والظلام والضياء من أوجدهما؟ ثم اختلافهما، فهذا الليل قد غشانا، وبعد ساعات سيرحل ويأتي النهار يغشينا بضوئه، فمن يدبر هذا التدبير؟ ومن خلق هذا الكون؟ لو قالوا: فلان وصدقوا لعبدناه معهم، وبالتالي فليس هناك في الكون العلوي والسفلي من أوجد الليل والنهار لصالح عباده إلا الله الخالق العزيز الحكيم.
وَلَهُ [المؤمنون:80]، لا لغيره، فيده وحدها هي التي تخالف بين هذا وهذا لصالح عباده، إذ لو استمر الليل أو النهار أبداً لضاقت الحياة وما صلحت أبداً، فكيف لا نشكر هذه النعمة العظيمة؟ لو يعطيك أحدهم الكهرباء في بيتك فإنك كلما تراه تحمده، أو يعطيك مصباحاً فقط تشكر عليه، فهذا النهار بضوئه عشر ساعات ما تقول: الحمد لله! ثم يأتي الظلام لتستريح فيه وتهدئ أعصابك من جهد العمل في النهار فتنام ولا تقول: الحمد لله!
إن الكفار كلهم لا يحمدون الله لا على ليل ولا على نهار، لا على ضوء ولا على ظلام، لا على خير ولا على شر، فهل عرفتم قيمة الكفر والكافرين؟ إنهم أحط الخلق، وحسبنا ما نكرره من قول ربنا: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، من شر الخليقة؟ القردة والخنازير؟ لا والله، الحيات والثعابين؟ لا والله، إن شر الخليقة فقط هم الكافرون بالله، المكذبون به العابدون لغيره، المعرضون عن ذكره وطاعته، فهذا حكمه عليهم، إذ جاء في سورة البينة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، من القائل؟ الله العليم الحكيم، وشر البرية، أي: الخليقة، وذلك من برأ إذا خلق، وتقرأ: (البريئة) و(البرية)، وهما قراءتان سبعيتان بمعنى: الخليقة، أي: المخلوقة، فشر المخلوقات هم الكفار والمشركون، وإن كانوا بيض الوجوه ويطيرون في السماء ويأكلون الحلوى، فما داموا كافرين بالله ولقائه ورسوله ويعبدون غيره فوالله لهم شر الخليقة، والله للخنزير أفضل منهم.
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [المؤمنون:80]، يعيب عليهم ويندد بهم ويوبخهم لمَ لا يعقلون؟ وقد قلت لكم: إن الكفار يعيش أحدهم خمسين سنة فلا يسأل: ما سبب النهار أو الليل؟ لم وجد الليل والنهار؟ من أوجدهما؟ ويأكل البقلاوة والحلوى والطعام وينتفخ بطنه فلا يسأل: من خلق هذا الطعام؟ من أوجده؟ من جعلك تأكله؟ من حببه إليك ورغبك فيه؟ فما فيه سؤال عن الله أبداً، والسر ما علمتم: كل الكفار والمنافقين لا يريدون أن يدخلوا الإسلام لئلا يعبدوا الله فيصوموا ويصلوا ويحجوا.
أَفَلا تَعْقِلُونَ [المؤمنون:80]، وهذا توبيخ من الله تعالى لهم، إذ كيف يعيشون ويشاهدون هذه الحياة والموت والليل والنهار والظلام والضياء ولا يسألون أنفسهم: من فعل هذا؟ وذلك حتى نحبه ونرغب فيه ونطلبه ونسأل عنه لنؤمن به ونعبده.
ثم قال تعالى حاكياً قولهم: بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ [المؤمنون:81]، أي: أن الكافرين اليوم والمشركين قبل اليوم ويوم نزول القرآن يقولون مثل ما قال الأولون من الضلال والجهال والكافرين والمشركين، فماذا قالوا؟
قال تعالى: قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون:82]. أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا [المؤمنون:82] نخرة في الأرض نبعث أحياء؟!
وهذه الكلمة يتغنى بها اليوم كل الملاحدة والمشركين والكافرين، ولذلك نقول: الذي أوجدكم -أولاً- ثم أماتكم يعجز عن إعادتكم لو كان عندكم عقل؟!
لو ما أحياني أول مرة، أو لو ما أماتني مرة أخرى ممكن نقول: لا يقدر، لكن أحياك أولاً ثم أماتك فهل يعجز عن إحيائك مرة أخرى؟! أي عقل يقول هذا؟! ما دام أنه قد أحيانا وعشنا ثم أماتنا، فهل يعجز أن يحيينا مرة أخرى؟! مستحيل هذا، بل وليس هناك ذو عقل يقول: لا يستطيع، لا يقدر، إذ كيف وقد أحياك ثم أماتك لا يستطيع أن يبعثك مرة أخرى؟!
إن هذه المقولة يتغنى بها الملاحدة إلى اليوم حتى لا يعبدوا الله تعالى، وقبل ذلك حتى لا يدخلوا في الإسلام فيحل لهم ما يحل ويحرم ما يحرم، وإنما يريدون الحرية المطلقة، فينكحون ويأكلون ويشربون ويقولون وينظرون بلا قيد ولا شرط كالبهائم، ويظنون أنهم قد ترقوا وبلغوا مستوى عال، وفعلاً فقد فتحوا أندية للواط والعياذ بالله.
ولذلك بدل من أن يتدبروا ويتعقلوا ويتفهموا، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون:82]، أحياء مرة ثالثة؟ الجواب: إي نعم، فالذي أحياكم وأماتكم قادر على أن يحييكم مرة ثالثة، إذ لو ما قدر في الأول فنعم، لكن قد قدر على إحيائنا وعلى أماتتنا فكيف يعجز عن إحيائنا مرة ثانية؟ بل الإعادة أسهل عليه، فلو أنك نسجت ثوباً بيدك ثم مزقته، هل هناك من يقول: لا تستطيع أن تنسج مثله؟ والله لا يقولها أحد؛ لأنه دال على وجوده.
فهل سمعتم ما قال الأولون من المشركين والملاحدة؟ قالوا: قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [المؤمنون:82]؟ والاستفهام للإنكار والتكذيب.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة المؤمنون (7) | 3891 استماع |
تفسير سورة المؤمنون (10) | 3742 استماع |
تفسير سورة الحج (11) | 3654 استماع |
تفسير سورة النور (12) | 3646 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (9) | 3504 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (5) | 3492 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (14) | 3491 استماع |
تفسير سورة الأنبياء (15) | 3416 استماع |
تفسير سورة المؤمنون (6) | 3340 استماع |
تفسير سورة الحج (17) | 3192 استماع |