حزب الرفاة.. ماذا حقق من خططه ... ؟
مدة
قراءة المادة :
19 دقائق
.
المسلمون والعالم
حزب الرفاه..
ماذا حقق من خططه في الإصلاح؟
بقلم: مصطفى محمد الطحان
تمهيد:
نال حزب الرفاه الإسلامي أكثر الأصوات في الانتخابات الأخيرة وإن لم ينل
الأغلبية، ومر استلامه السلطة بمخاض طويل، اتضح فيه للجميع مدى الخيبة
والمصيبة التي حلت بالأحزاب العلمانية التركية، وتبين أيضاً مدى الحقد الذي يكنه
أولئك العلمانيون ضد الإسلام، وفي آخر الأمر: استلم (الرفاه) رئاسة الوزراء
لأول مرة في تاريخ تركيا المعاصر بعد انقلاب (أتاتورك) الماسوني، مؤكداً تطلع
قطاعات كبيرة من الشعب التركي إلى عودة الإسلام من جديد، مما يضع سابقة لن
يصبح بعدها الإسلاميون غرباء على الحياة السياسية بوصفهم اتجاهاً فاعلاً له
شعبيته.
وما زال العلمانيون يضعون الأحجار في طريق الرفاه، ومنها: ما كان منهم
بعد إقامة (أربكان) (احتفالاً رمضانيّاً) ، فقد أثار حزب الشعب اليساري دعوى ضد
(أربكان) لمحاكمته، بزعم خرقه الدستور العلماني، والمطالبة بسجنه، وفي هذه المقالة يقدم لنا الأستاذ مصطفى محمد الطحان بحكم متابعته للحدث هذه الدراسة الموثقة، ونحن قد لا نتفق بالضرورة معه في كل ما ذكره، إلا إنها متابعة تستحق القراءة والتأمل، وتستحق الشكر لكاتبها.
- البيان -
الحديث ما زال مبكراً عن إنجازات حزب الرفاه، حيث لم يكمل بعد سنته
الأولى.
كما أن الأمر لا يتعلق بحزب الرفاه وحده، فهو شريك حزب الطريق القويم،
الأكثر تمثيلاً للاتجاه العلماني الحديث، الذي يضم في صفوفه صقور الجيش والأمن
السابقين أمثال (دوغان غوريش) رئيس الأركان السابق، و (محمد أغار) ..
وغيرهم، وهو الضمانة الأقوى للدفاع عن العلمانية والحداثة والتعالي القومي.
بالإضافة إلى ذلك: فالساحة التركية شديدة التعقيد داخليّاً وخارجيّاً.. فقد قطّعت أسبابها مع محيطها منذ سنين عدة..
وتعلقت بأوروبا التي لم تقدرها كما ينبغي..
فغدت مثقلة بالمشكلات والتوترات، والتضخم الاقتصادي، والحرب الكردية التي تستنزف ثلث ميزانية البلاد، بالإضافة إلى ضرب وحدتها الوطنية. وفي هذه الظروف الصعبة يطالب المراقبون حزب الرفاه بكشف الإنجازات خلال هذه الفترة الوجيزة من حكمه! ! مقابلة مع الرئيس: في مقابلة مع رئيس الوزراء البروفيسور (نجم الدين أربكان) ، بعد أيام من تسلمه منصبه الجديد..
قال: لقد كنّا نعارض الخطط الاقتصادية الحكومية التي تعتمد على القروض والضرائب..
وكنّا نتصور أن دولة غنية مثل تركيا لا يمكن أن تكون منهارة اقتصاديّاً ما لم تكن هناك أيادٍ عابثة تنهب ثروات البلاد..
وعندما أصبحنا في الحكومة واطلعنا عن كثب على الأمور: وجدناها أسوأ بكثير مما كنا نظن، وجدناها فئة محدودة العدد من أرباب الشركات الكبرى (الهولدنغ) تسلطت على الدولة، كل ينهب بأقصى قدرته..
ورجالات الدولة مجرد شركاء لهؤلاء في التسلط والنهب. الديون الداخلية تقترضها الخزينة من هؤلاء..
فيتقاضون على ديونهم ...
140 % فائدة، أي: بمعدل 37 % على حساب الدولار. البنك المركزي يقترض أموالاً لمدة يوم أو يومين بفائدة 80%، يقترضها أيضاً من هؤلاء. هذه الأمور زادت التضخم ورفعت الأسعار، وأفقرت الشعب، وأفلست الدولة..
لحساب فئة محدودة متحكمة في السياسة والاقتصاد وفي الأمة كلها.. وضبط هذا التسيب يوفر على الدولة خمسة مليارات دولار في السنة على الأقل. رصيدنا من العملات الصعبة يبلغ حالياً (21) مليار دولار، منها (18) مليار دولار مودعة لدى الغرب بناء على تعليمات البنك الدولي، تتقاضى تركيا عليه 1.2 %، بينما تدفع أكثر من 10% فائدة عن كل قرض تأخذه من هؤلاء..
أليس هذا أمر عجاب..؟ ! عندما نظرنا في الخزينة وجدنا للدولة (100) ألف حساب بنكي متناثر، يعبث به العابثون..
عندما جمعنا هذه الحسابات في حساب مركزي واحد وجدناه يعادل (15) مليار دولار. بالتدقيق السريع وجدنا أن كميات البنزين التي تُشتري لحساب سيارات الدولة وعددها (300) ألف سيارة تزيد ثلاث مرات عن الحاجة الحقيقة..
وضبط ذلك يوفر على الدولة 300 مليون دولار في السنة. وكم من المصالح الحكومية تهدر بهذه الطريقة ...
! ! أولاً: الانجازات الاقتصادية: لقد أثبتت التجربة المرّة أن النظام العلماني الذي قام في تركيا منذ أكثر من سبعين سنة..
لم يعد صالحاً للاستمرار..
لقد اختفت الطبقة المتوسطة، وأصبحت غالبية السكان الساحقة من الفقراء المحرومين من لقمة عيشهم ومسكنهم وطبابتهم وملبسهم ومدارسهم وجامعاتهم..
والأحزاب على اختلاف ميولها، ورجال الأحزاب على اختلاف أسمائهم، ما هم إلا شركاء في الجريمة، يتنافسون ويتشاكسون للحصول على مغانم أكبر..
كان هذا هو السبب الرئيس الذي اندفع من أجله الناس لتأييد حزب الرفاه..
وعليه: فقد بادر الحزب منذ الأيام الأولى إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاقتصادية لانتشال هذا الشعب بالقدر المستطاع من وهدة الفقر الذي هو قرين الجريمة والكفر، ومن هذه الإجراءات: رفع أجور موظفي الدولة والمتقاعدين: فقد أصدرت الحكومة قراراً برفع أجور موظفي الدولة والمتقاعدين بنسبة 50%، واستفاد من هذا القانون حوالي ...
(7.5) مليون موظف ومتقاعد، كما تم رفع رواتب الجيش والبوليس بنسبة أعلى من هذه النسبة، أي: إن نصف الشعب التركي قد تحسنت أحوالهم المعيشية على الفور. وفي الوقت نفسه: تمّ رفع الحد الأدنى للأجور إلى (17) مليون ليرة تركية شهريّاً، أي: ما يعادل أكثر من 200 دولار..
بعض العمال كانوا يتقاضون أقل من خمسين دولاراً شهريّاً..
فهل بالإمكان أن نتصور كيف كان يعيش هؤلاء في بلاد أصبح كل شيء فيها مكلفاً ...
؟ خطة الرفاه الاقتصادية: أعلن حزب الرفاه خطته الاقتصادية، وتشمل النقاط التالية: -تشجيع استقدام مدخرات العاملين في الخارج. -تسريع عملية التخصيص. -بيع الأراضي والمؤسسات والأبنية التابعة للدولة، التي يستغلها أصحاب النفوذ. -جمع حسابات الدولة في حساب واحد. -تسريع جمع الضرائب..
وخفض قيمتها لمن يدفع أسرع. -استقطاع نسبة 6% من قيمة الواردات لتشجيع الصادرات. -تحصيل رسوم استخراج المعادن. -الأبنية التي بنيت بدون رخصة رسمية..
ترخص وتباع. وهذه الخطة توفر على الدولة عشرة مليارات دولار. وعلى الرغم من أن الصحف نالت من هذه الخطة ووصفتها بـ (الخيالية) .. إلا إنها الأولى منذ خمسين سنة التي لم تبنَ على مزيد من الضرائب، أو مزيد من القروض، أو مزيد من طبع الأوراق المالية. لقد أعلن (أربكان) في مؤتمر صحفي أن (صندوق الفقراء) الذي كان يُسرق أو يحول إلى مصروفات أخرى..
قد أعيد تشكيله..
ولن يبقى في تركيا محتاج واحد..
وأعطى أرقام تلفونات ليتصل عليها كل محتاج ليأخذ حاجته، وختم كلامه فقال: إن هذه الطبقة التي يتبرأ منها الجميع، نحن أصحابها. ثانياً: الإنجازات الأمنية: إعادة الأكراد إلى قراهم، هذه القضية من أخطر القضايا التي تعاني منها تركيا، وإذا كانت الأحزاب تعلن في شعاراتها حلولاً للقضية الكردية، إلا أنها ظلت مجرد شعارات للاستهلاك، بينما أوكلت هذه الأحزاب القضية للجيش، والجيش لا يعرف غير القتال، وهكذا قتل أكثر من (30) ألفاً من أبناء تركيا (أتراكاً وأكراداً) واستنزف ثلث الميزانية، وهجرت (2400) قرية من (20) محافظة في شرق تركيا وجنوب شرقها، ونزح أكثر من (275) ألف كردي من أراضيهم بعد تهديم بيوتهم والقضاء على ثرواتهم الحيوانية، أما حزب الرفاه فإنه يؤمن بالقضية إيماناً حقيقيّاً؛ فالأكراد يمنحونه أصواتهم منذ تأسيسه، والأخوة الإسلامية التي يطرحها الحزب حلاّ لهذه القضية هي الحل الأوحد الذي لا حل سواه. وهذه القضية لم تعد قضية محلية، فلحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الجيش التركي منذ عام 1984م، ويطالب بالانفصال عن تركيا..
لهذا الحزب علاقات مع كل الدول المعادية لتركيا مثل بلغاريا واليونان وسوريا والعراق، وربما إيران..
ولهذا: فحل القضية الكردية لا يكفي فيه الإعلان عن إعادة الأكراد إلى قراهم وتعويضهم..
بل لا بد من الوصول إلى حل حقيقي عن طريق التفاوض.. يحفظ لتركيا وحدتها ويعطي للأكراد هويتهم وحقوقهم، وكذلك لا بد من التصالح مع كل دول الجوار التي تغذي الأكراد وتدربهم وتسلحهم..
ولقد حاول حزب الرفاه القيام بكل ذلك، فلقد صرّح الكاتب الإسلامي (إسماعيل ناجار) لجريدة (صباح) التركية أن رئيس الوزراء كلفه بالاجتماع ببعض الشخصيات الكردية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني لاستطلاع أيسر السبل لإيقاف هذا النزيف المستمر. كما إن النائب عن حزب الرفاه (فتح الله أرباش) صرّح بأنه يقوم بمحاولات مشابهة، وأن الحكومة تؤيد وجود إذاعة ومحطة تلفزيونية باللغة الكردية، وصرح نائب رئيس حزب الطريق القويم (محمد جولهان) أن الحزب يؤيد مثل هذا التوجه بشرط أن يُلقي المحاربون أسلحتهم. أما تهيئة الأجواء الخارجية لحل هذه القضية: فالحزب جاد في ذلك..
فلقد بعث وزراءه إلى دمشق وبغداد، وزار (أربكان) إيران..
وجزء رئيس من أهداف هذه الزيارات هو نزع فتيل القضية الكردية، وقد تعهد الرئيس (رفسنجاني) بتعزيز الأمن على الحدود بين البلدين..
الأمر الذي سينعكس إيجاباً على القضية الكردية وعلى علاقات الجيش التركي مع الحكومة الحالية. التمديد لقوة المطرقة لمدة 5 سنوات: وحزب الرفاه يطالب بانسحاب القوات الغربية التي ترابط في تركيا منذ حرب الخليج بحجة مراقبة شمال العراق وتأمين الحماية لأكراد العراق. ولقد أعلن (أربكان) في البرلمان، يوم التجديد لهذه القوات، وسط مزايدات أحزاب المعارضة، فقال: لقد مددتم لهذه القوات مدة خمس سنوات..
فهل تريدون أن نسحبها في اليوم الأول لوجودنا في السلطة؟ إن هذا بعيد عن الإنصاف! ! ومع ذلك: فلم يوافق الرفاه على التمديد هذه المرة إلا بعد الموافقة على الشروط التالية: صيانة الحدود العراقية، عدم قيام دولة كردية في شمال العراق، توحيد الجهود ضد الإرهاب، تيسير المحادثات بين قادة أكراد شمال العراق وحكومة بغداد، إغلاق معسكر (أرتوش) ، الإسراع في تسليم الأسلحة الأمريكية التي دفعت تركيا ثمنها ولم تتسلمها، زيادة عدد القوات التركية في مركز (زاخو) ، تأمين حرية التجارة بين تركيا والعراق وفتح خط النفط المغلق، تعويض تركيا عن الأضرار التي لحقت بسبب الحصار، تقليل طلعات الطيران المنطلق من (زاخو) إلى النصف، والعمل على نقل مركز هذه القوات من (زاخو) إلى (سيلوب) في تركيا. لم يقبل حزب الرفاه التجديد لهذه القوات إلا بعد أن وقّعت الدول المتحالفة على هذه الشروط، وشروط أخرى وافق عليها البرلمان، وهي: إنهاء حالة الطوارئ في منطقة شرق تركيا بالتدريج، وإعادة الأكراد المهجرين إلى قراهم، وربط الموافقة على وجود قوات المطرقة بمجلس الوزراء في المستقبل. وحسب قول ديبلوماسي غربي: أثبت (أربكان) أنه مفاوض ماهر، وأنه يعرف قيمة ما يقدمه للغرب، وهو وجود عسكري ونفوذ سياسي في المنطقة، وهذا لا يمكن أن يكون بلا ثمن، فهل تعتبر هذه الموافقة الاضطرارية المكبلة بالشروط نوعاً من الإنجاز؟ ! أزمة السجون: بعد تسلم حزب الرفاه السلطة مباشرة، انفجرت أزمة كبيرة في سجون تركيا..
حيث أعلن السجناء اليساريون في مختلف السجون إضراباً عن الطعام، يطالبون بإغلاق سجن إسكي شهير، الذي يسمونه (التابوت) ، ونقلهم إلى سجون أخرى، وتحسين ظروف اعتقالهم، وكانت فرصة لانقضاض الصحافة على حزب الرفاه وعلى وزير العدل (شوكت كازان) ، وتساءل معلق صحفي مشهور هو (محمد ألتان) ، لماذا يحدث هذا؟ ! ، إننا نرى إرهاب الدولة كل ليلة عبر شاشات التلفزيون، نرى الشرطة تركل وتضرب، وتجر شعور بنات شابات، وإذا كانوا يفعلون هذا أمام أعيننا فماذا يفعلون سرّاً..؟ . وتمكن (كازان) بالتعاون مع عدد من الوسطاء من حلّ القضية والاتفاق مع السجناء على إنهاء الاضراب، ونقل المضربين إلى المستشفيات، وتحسين ظروف المعتقلين، وتحسين أوضاع السجون، وكان بإمكان حزب الرفاه التنصل من هذه القضية؛ فقد ورثها عن سابقيه، إلا إنها تكشف مدى الانهيار الأخلاقي في تعامل السلطة مع السجين، وليس الأمر في تركيا وحدها. ثالثاً: الإنجازات الخارجية: لا نعرف بالضبط إذا كانت القوى الحليفة التي شكلت الحكومة مع (أربكان) قد أدركت مغزى تصريحاته، فمنذ اللحظة الأولى أصر (أربكان) على صداقة الغرب والتعاون معه، مع الاهتمام بعلاقات تركيا مع دول الجوار والدول الإسلامية، فالاتحاد الإسلامي إحدى الركائز الخمس التي يقوم عليها برنامج حزب الرفاه، وسواء أأدرك هؤلاء أم لم يدركوا، فقد كان لجولة رئيس الوزراء إلى إيران وباكستان وسنغافورة وماليزيا وإندونيسيا أكثر من مغزى وأكثر من تفسير، وإن كانت زيارته لإيران أثارت العديد من التفسيرات. لقد وقّع (نجم الدين أربكان) مع إيران عقداً تزود بموجبه إيران تركيا بالكهرباء والنفط والغاز لمدة عشرين سنة، قيمة العقد (23) مليار دولار. ولقد استقبلت الإدارة الأمريكية هذا الخبر بكثير من الاستياء، وصدر عن المسؤولين الأمريكان العديد من التعليقات التي تحمل التهديد في طياتها، ولقد ردّ (أربكان) على ذلك بطريقة غير مباشرة، وقال: (إن حقبة جديدة بدأت بين البلدين الجارين المسلمين، وإن هذا الأمر لا يعني السياسة الأمريكية ولا أهدافها) . إن (أربكان) لا ينظر لهذه العلاقات بالمنظار الاقتصادي البحت، وإن كان ذلك مهمّاً للغاية بالنسبة له، ولكنه يرى في ذلك قوة سياسية واستقراراً أمنيّاً يفيد الجميع، فإذا كانت إيران تشجع حزب العمال الكردستاني نكاية بالسياسة التركية السابقة تجاهها، فهي معنية اليوم بالاستقرار من أجل مصالحها. وينظر (أربكان) لهذه المسألة من زاوية أخرى: فهو يرى أن (كلينتون) عندما يعاقب الذين يتعاملون مع إيران، وليبيا، والعراق، وغيرها..
فهو إنما يفعل ذلك استكباراً لا حق له فيه، واستهتاراً بمصالح الشعوب الأخرى، فهل على الشعوب بالتالي أن تستسلم لهذه الهيمنة أم تدافع عن حقوقها؟ ، ثم: هل يحق لتركيا أن تضحي بعشرين مليار دولار قيمة خسارتها عندما تقطع علاقاتها التجارية مع جيرانها، من أجل مصالح الغرب في المنطقة واستيعابها حسب مصالحه..؟ وإذا كان الاتحاد الأوروبي الذي هو شريك أمريكا في (البلطجة السياسية) استنكر قانون (كلينتون) ، أفلا يحق لنا أن ندافع عن مصالحنا مثلهم؟ . إن تحسين العلاقات بين تركيا وإيران ضرورة أمنية واقتصادية واستراتيجية، والتنسيق بينهما في آسيا الوسطى يحقق للبلدين كثيراً من الفوائد. زيارة أربكان لبعض الدول الإسلامية: قام (أربكان) بزيارات شملت إيران وباكستان وسنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، وللزيارة أسبابها الخارجية، فقد أراد أن يقول لهذه الدول وللعالم المقولة نفسها التي ذكرها للصحفيين بعد عودته: أردنا أن يعرف العالم أن تركيا التي أعرضت عن الدول الإسلامية ردحاً من الزمن عادت إليهم لتتعاون وتتكامل معهم سياسيّاً واقتصاديّاً. وللزيارة كذلك جانب اقتصادي واستراتيجي، فمن أهم مشكلات تركيا: العجز في ميزان تجارتها الخارجية، وهذه الزيارات ستزيد من حجم صادرات تركيا لهذه الدول، خاصة وأن دول آسيا لها موقع مهم في الاقتصاد العالمي؛ فهي تنتج حالياً 20.8 % من الإنتاج العالمي، وسيزيد هذا الرقم في سنة 2019 م إلى 50.7 %، بينما سيتناقص إنتاج أوروبا وأمريكا واليابان إلى 39.1 %، مما يؤكد أهمية العلاقات مع هذه الدول الصاعدة. وفي إيران: اتفق على ترتيب أمن الحدود المشتركة، وتطوير التعاون التجاري والمواصلات، وإزالة العقبات التي تحول دون تطوير الصادرات، بحيث يرتفع حجمها إلى (2.5) مليار دولار في السنة، بدلاً من (200) مليون دولار حالياً. وفي باكستان: اتفق على تنفيذ بعض المشاريع المشتركة في الصناعات العسكرية، وأن تتعاون الدول الأربع على إنتاج طائرات للنقل الجوي وطائرات مروحية، وبعض الصناعات الإلكترونية، وصناعة الغواصات، وتطوير محركات توماسان، وتشجيع ذلك عن طريق خفض الجمارك، واستخدام البنك الإسلامي الآسيوي للتنمية في تمويل هذه الصفقات. وفي سنغافورة: اتفق على تدريب الطياريين السنغافوريين على طائرات إف 16، وتشجيع الاستثمار في تركيا، وخاصة في المنطقة الحرة الواقعة على البحر الأبيض والبحر الأسود. وفي ماليزيا: اتفق على مشاريع في ميدان الصناعات العسكرية، كالغواصات والدبابات والطائرات، وزيادة استثمارات ماليزيا في صناعة السيارات والمنتجات التكنولوجية والإلكترونية، وتطوير السياحة، ورفع مستوى الصادرات من (400) مليون دولار إلى (1.5) مليار في السنة، واستقدام أعداد كبيرة من العمالة التركية. وفي إندونيسيا: اتفق على زيادة التعاون في ميدان صناعة الطائرات والغواصات والإلكترونيات والدبابات والسيارات. وهكذا حققت هذه الزيارة التي استمرت عشرة أيام زيادة في حجم التجارة الخارجية بمقدار تسعة مليارات دولار، الأمر الذي سيسد العجز في تجارة تركيا الخارجية. وأخيراً: فالإعلام الداخلي فقد توازنه أمام حيوية رئيس الوزراء (نجم الدين أربكان) ، وانسجام حزبي السلطة، والتناغم بين الحكومة والجيش، والتعلق الشعبي بالرفاه.. والإعلام الخارجي ينقل أكاذيب الإعلام الداخلي، لكن الحقيقة لن تغيب عن المتابعين والموضوعيين.