أرشيف المقالات

جبال نفخت فيها الروح - خالد سعد النجار

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم
** تزوج العلامة صديق حسن خان ( ت ١٣٠٥ هـ ) بالملكة «شاهجان بيجوم»، وكان زواجه منها نقطة تحول في حياته العلمية والدعوية حتى أنه كان يكتب عشرات الصفحات في اليوم وينتهي من تأليف مجلد ضخم في عدة أيام، وله أكثر من ٤٥ كتاباً مطبوعاً وأكثر من ١٠ كتب مخطوطة .
كان يؤلف جزءًا واحدًا كل يوم، وإن ذهب إلى أحد في مناسبة أو حفلة أو تأخر الطعام فإنه يتنحى ويشتغل بالتأليف في المكان نفسه .

فقد ألف كتابه «أبجد العلوم» في ٤ شهور
وكتابه «إتحاف النبلاء» في شهر واحد
وكتابه «التاج المكلل» في مدة شهر وعشرة أيام
وكتابه «رحلة الصديق» في مدة أسبوع
وكتابه «الروضة الندية» في مدة خمسة عشر يومًا
وكتابه «مسك الختام» في مدة شهران
وكتابه «فتح البيان» عشرة أجزاء في سنة واحدة
وكتابه «البلغة» في ٢٢ يومًا
وكتابه «حصول المأمول» في ٢٦ يومًا
وكتابه «ذخر المحب» في ١٢ يومًا
 
** قال أبو الهيثم العيار في السجن لأحمد بن حنبل يوم ابتلائه في محنة «خلق القرآان» وضربه بالسوط: ليس مثلي ينصح مثلك يا أحمد، أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، قاطع الطريق وشارب الخمر، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف ضربة بالسوط فصبرت عليها في سبيل الشيطان ، فاصبر أنت على ما تقبل عليه في طاعة الرحمن، يا أحمد ما هي إلا عشر جلدت ولن تشعر بالألم.

عندما يسخر الله لك البر والفاجر
عندما تأت النصيحة ممن لا تظنه يقدمها
عندما تنفع تجارب الظالمين في التقوي على الظلم
عندما يثبتك الله في موطن تحتاج فيه التثبيت
وعندما تحتاج من يدعمك ويذكرك بما تقبل عليه
عند كل ذلك وغيره
فاعلم أنه يحبك وأنه معك
اللهم سفرا في طاعتك، وصلة لأهل العلم والفضل ومن لهم علي يدا وكانوا لي عونا، ولقاء في محبتك بإخوة لي فيك، اللهم إني أسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى.
 
** ‏لما رحل «ورش» من ‎ مصر إلى ‎المدينة للقراءة على الإمام نافع، وجد زحامًا شديدًا، وتوسّل للإمام ببعض الشفعاء ليراعي غربتَه، فلم يجد الإمام نافع فرصةً لإقراء ورشٍ إلا قُبَيل الفجر ..
ثم تبرَّع أحد الطلاب المدنيِّين بحصته لورش، ففعل طالبٌ آخر مثلَه، حتى تبرَّع كل طلاب هذه الفترة بوقتهم لورش، وشاء الله أن يختم ورشٌ على نافعٍ خمس ختماتٍ ويعود بعدها إلى ‎مصر..
وتوفي نافعٌ، وورشٌ، وتوفي الطلبة المتبرِّعون بحصتهم، وخلَّد الله رواية ورش عن نافع حتى اليوم، وثقُلت موازين أولئك الخمسة، وظلت حصصهم التي تبرَّعوا بها للغَريب وقفًا جاريًا عليهم إلى يوم القيامة .
وما هذه بأوحد بركات الإيثار..
وهكذا الطاهرُ من طلبة العلم، ينافِس ويُسابق، لكنَّه يُؤثِرُ، ويحبُّ لغيرِه ما يحبُّ لنفسه، ويوقنُ أن اشتراك الناس معه في مصادر معرفته ينفعُهم ولا يضرُّه..
أما مُشَوَّه القصد في طلب العلم فلا يرضى لأحد مشاركتَه، ولكن يتفنَّن في قطع الطريق والتفرُّد، فيضعه الله تعالى من حيث طلب رفعة نفسه.
وليس العجَب من خلود الرواية فحسب، إنما العجبُ العُجَابُ توفيقِ الله لهؤلاء الفِتْيَةِ الَّذِينَ ألْهمَهُم إيثَارَ هذا الغريبِ بحصَّتهم، فتمضي أعوام مديدة، وروايةُ هذَا الغريبِ الذي آثَروهُ يُتَعَبَّد بها الله لفظًا ورَسْمًا وصلاةً، وثوابُ كل ذلك قسمة بينهم مع ورش ونافع!
 
** «يحيى بن يوسف الأنصاري» كان رجلا أعمى فاقدا للبصر، ولكنه يعلمنا أن العجز ليس عجز الجسد، إنما عجز النفس .
عندما هجم التتار على بغداد، سقط الخليفة العباسي سقوطا فاضحا دونه التاريخ، رغم أنه كان يملك الصحة والمال والجند، ومع تخريب وقتل التتار للمسلمين في بغداد سيطر الرعب..
وسجل التاريخ صفحات خزي عن استسلام الرجل المسلم من الخوف حتى يأتي التتري بسيفه ليقتله.
لكن التاريخ والمؤرخون سجلوا أن يحيى بن يوسف الأعمى رفض أن يستسلم للتتار، ولم يكن يملك أسلحة ولا جند، بل كان أعمى البصر سليم القلب ، فصنع فعلا عجيبا، فقد أمر أولاده أن يملئوا بيته حجارة {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم} ثم عندما هجم التتار على بيته ليقتلوه أخذ يرجمهم بالحجارة حتى هشم منهم جماعة، وعندما أحاطوا به وأقترب أحدهم منه قـتله بعكازه حتى تكالبوا عليه فقتلوه، فلقي الله شهيدا -رحمه الله- في الوقت الذي فيه آلاف الناس المبصرين سلموا رقابهم للتتار فقتلوهم قتل الذل والعار.
إن أصحاب النفوس الكبار بعزة الإسلام لا يفرطون فى مبادئهم مهما كانت علل الجسد وضيق الحال، فالهمم العالية لا يوقفها شيء.
وفى واقعنا المعاصر ملك أفراد وجماعات الأسباب، ولكن هممهم ضعيفة، وعزة الإسلام فيهم ناقصة، يستسلمون للواقع مع أول صيحة، ويقبلون أيدي أفكار عدو الإسلام لعله يرضى عنهم، ولا يرضى إلا بذلهم.
خرج التتار من بغداد وبقيت سيرة يحيى بن يوسف وشجاعته
وسيخرج كل تتار العصر من كل موقع، وسيبقى تاريخ وملاحم الثابتون على الإسلام والحق نبراسا مضيئا لكل السائرين في طريق الحق وتجمعهم الجنة في الآخرة
جمع وترتيبد/ خالد سعد النجار[email protected]
 

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير