وَأَمَّا مَا فِي"الْإِحْيَاءِ"مِنْ الْكَلَامِ فِي الْمُهْلِكَاتِ؛ مِثْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَغَالِبُهُ مَنْقُولٌ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ الْمُحَاسَبِيِّ فِي"الرِّعَايَةِ"وَمِنْهُ مَا هُوَ مَقْبُولٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَرْدُودٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُتَنَازَعٌ فِيهِ.
و"الْإِحْيَاءُ"فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، لَكِنْ فِيهِ مَوَادُّ مَذْمُومَةٌ؛ فَإِنَّهُ فِيهِ مَوَادُّ فَاسِدَةٌ مِنْ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ تَتَعَلَّقُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، فَإِذَا ذَكَرَ مَعَارِفَ الصُّوفِيَّةِ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ عَدُوًّا لِلْمُسْلِمِينَ أَلْبَسَهُ ثِيَابَ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ أَنْكَرَ أَئِمَّةُ الدِّينِ عَلَى أَبِي حَامِدٍ هَذَا فِي كُتُبِهِ، وَقَالُوا: أمرضَهُ"الشِّفَاءُ"، يَعْنِي"شِفَاءَ ابْنِ سِينَا"فِي الْفَلْسَفَةِ.
وَفِيهِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ ضَعِيفَةٌ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ كَثِيرَةٌ.
وَفِيهِ أَشْيَاءُ مِنْ أَغَالِيطِ الصُّوفِيَّةِ وَتُرَّهَاتِهِمْ.
وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ الْعَارِفِينَ الْمُسْتَقِيمِينَ فِي أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْأَدَبِ مَا هُوَ مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا يَرِدُ مِنْهُ. فَلِهَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ اجْتِهَادُ النَّاسِ وَتَنَازَعُوا فِيهِ )) اهـ.
وقال شيخ الإسلام في"المجموع" (4/ 55) قال: (( ... وكلامه في"الإحياء"غالبه جيد، لكن فيه مواد فاسدة: مادة منطقية، ومادة كلامية، ومادة من ترهات الصوفية، ومادة من الأحاديث الموضوعة ) )اهـ.
وفي هذا الصدد أشار الشيخ ابن تيمية إلى من ذمَّه لأجله خصوصاً، أو لغيره من كتبه كما قال في"العقل والنقل" (6/ 239 - 240) :
(( ... لأن أبا حامد يخالف الفلاسفة تارة ويوافقهم أخرى؛ فعلماء المسلمين يذمونه بما وافقهم فيه من الأقوال المخالفة للحق الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم لموافقة لصحيح المنقول وصريح المعقول.
كما وقع من الإنكار عليه أشياء في كلام رفيقه أبي الحسن المرغيناني [1] ، وأبي نصر القشيري [2] ، وأبي بكر الطرطوشي [3] ، وأبي بكر بن العربي [4] ، وأبي عبد الله المازري [5] ، وأبي
(1) هو أبو الحسن علي بن أبي بكر الفرغاني المرغيناني الحنفي (530 - 593 ه) ."النبلاء" (20/ 232) , و"الأعلام" (4/ 266) .
(2) عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الصوفي الأشعري (ت 514 ه) "النبلاء" (20/ 424) .
(3) محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الطرطوشي, من أئمة المالكية (451 - 520 ه) , ومن علماء أهل السنة والجماعة, له"الحوادث والبدع". ... ==
(4) == هو القاضي محمد بن عبد الله بن العربي الأندلسي الإشبيلي (468 - 543 ه) , تلميذ أبي حامد, من علماء الأشاعرة, وصاحب التصانيف التي منها"عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي".
(5) هو محمد بن علي بن عمر التميمي المازري الصقلي (453 - 536 ه) , محدث, فقيه مالكي, صاحب الرد على"الإحياء"المسمى"الكشف والإنباء في الرد على الإحياء", وسيأتي له مزيد بيان إن شاء الله.