وللعلم فقد ذكر هذا أبو حامد قبل أن يؤوب أخيراً إلى الحديث والعكوف على"الصحيحين"حتى مات وصحيح البخاري على صدره، حتى قال شيخ الإسلام في مواضع منها"بيان تلبيس الجهمية" (3/ 102 - 103) :
(( ... وأبو حامد من خيارهم - أي الفلاسفة والمتكلمين - وأعلمهم وأدينهم، وهو مع هذا يكفر الفلاسفة، فضلاً عن أن يضللهم تارة، وتارة يجعل ما كفّرهم به من العلم المضنون به على غير أهله.
ويضلل المتكلمين تارة، ويجعل طريقهم ليس فيها بيان للحق، وتارة يجعلها عمدته وأصله الذي يُضلل من خالفه.
وكذلك تارة يقول في الصوفية الأقوال المتناقضة؛ فتارة يجعلهم خاصة الأمة، ويفضلهم على الفقهاء، وتارة يمنع إعطاءهم الزكاة، أو يوجب عليه الاكتساب، مع إباحته إعطاء الزكاة للمتفقهة.
وإن كان في آخر عمره مال إلى طريقة أهل الحديث، وكان كثير المطالعة لـ"صحيح البخاري"، وبذلك ختم عمله، وعليه مات، وهو أفضل أحواله، والله تعالى يغفر لنا ولسائر إخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم ... )) .
فها هو رحمه الله بعد الحيرة والاضطراب في الكلام والفلسفة والتصوف - كما سبق في بيان منهجه - يُختم له بما رأيت. فنسأل ربنا حسن الخاتمة وجميل العاقبة في الدين والدنيا والآخرة.
وأختم بهذه العبارة المختصرة للشيخ ابن تيمية، وأحيل إلى باقي المواضع في تأكيد هذا المقصود، قال رحمه الله في"منهاج السنة" (5/ 269) :
(( وكذلك أبو حامد في آخر عمره استقر أمره على الوقف والحيرة، بعد أن نظر فيما كان عنده من طريق النظّار وأهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهد، وفي آخر عمره اشتغل بالحديث؛ بالبخاري ومسلم ) ) [1] اهـ.
(1) وانظر:"درء التعارض" (1/ 362) , و"مجموع الفتاوى" (4/ 72, 9/ 185) , و"الرد على المنطقيين"ص (198) .