معروف، وأما أهل السنة فيرون مبدأ تجزئة الحق فيما يقبل التجزئة، ولهذا يرون تفاوت المسلمين في كمال التوحيد، أما أصل التوحيد فلا يتجزأ البتة، ونظير هذا لو اختلف رجلان في شخص في نفس اللحظة، فقال أحدهما: هو حي حياة طبيعية، وقال الآخر: هو ميت، فلا يمكن أن يتعدد الحق هنا ولا أن يتجزأ، وبالإيمان تحيى الروح وتستنير به كما أنها تموت بالشرك وتظلم به قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام، 122] وإن كان الحق قد يتجزأ فيما إذا لم يصب الحق كله كما لو اختلفوا في رجلين، فقال أحدهما: هما حيان، وقال الآخر: هما ميتان، فقد يصيب أحدهما ويخطئ الآخر، وقد يصيبان كلاهما من وجه دون وجه فيكون الحق جزئيا.
وإذا تقرر التناقض بينهما، فلا يخلوا: إما أن يكون التوحيد حقا والشرك باطلا، ففي التسوية بينهما ظلم للتوحيد!، أو يكون العكس ففي التسوية بينهما ظلم للشرك!!، وفي هذا القدر إبطال للتسوية بينهما، وبالتالي نعلم أن بيان بطلان أحدهما يلزم منه صحة الأخر، كما أن بيان صحة أحدهما يلزم منه بطلان الآخر، كما هو الحال في المتناقضات.
الوجه الثاني: أنه معلوم عند العقلاء قاطبة أن المعتقدات في الأذهان ليست على درجة واحدة قوة وضعفا، فمنها القطعي وجودا وعدما ومنها الظني الراجح وجودا وعدما ومنها المستوي الطرفين غير أنها في واقع الأمر إما حق وإما باطل لا غير، ألا ترى أنه لو أتاك خبر بوجود (مطر) في مكان ما، فإما أن تقطع بوجوده أو تقطع بعدمه أو تظن وجوده أو تظن عدمه أو يستوي عندك الأمران مع أنه في حقيقة الأمر إما موجود أو غير موجود والخبر فيه إما حق وإما باطل لا غير، فمن تجاهل ما يقع في الأذهان لم يعذر أحدا قط ويشبه هذا حال أهل القانون الذين يقولون: (القانون لا يحمي المغفلين) وقريب منهم من لا يعذر بالخطأ والجهل والنسيان والإكراه والتأويل السائغ، وفي هذا شدة وإن كان له ثمرة أحيانا، ومن تجاهل ما في الواقع وحقيقة الأمر ولاح في ناظريه ما يقع في الأذهان فحسب فسيؤدي به ذلك إلى أن يعذر كل أحد في كل معتقد مهما ارتفعت أعلام فساده ووضحت رايات خرافته، وستكثر السفسطة والزندقة والإلحاد، وتظهر الفوضى العلمية والأخلاقية، وترفع معاول الجدل ومكابرة العقول، وستنتشر الخرافة والأساطير من عبادة الفئران والجرذان وعبادة الفروج و ما لا يحصيه إلا الله تعالى ولا تثريب عليهم في معتقداتهم كما أنهم لا يثربون على غيرهم وكل هؤلاء معذورون؛ لأن كل واحد يعتقد فعله صوابا وهذه حقيقة الليبرالية وكلاهما ضلال مبين؛ والحق وسط