حيث لا يستوي من يعبد الواحد سبحانه ومن يعبد أكثر من معبود قال تعالى: {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} وغيرها من الأمثال. وقريب من هذا لو كان لشعب واحد أكثر من ملك كل يريد الملك لنفسه خاصة، وشعب آخر له ملك واحد هل يستويان مثلا؟؟ كلا؛ إذ طاعة أكثر من ملك في أمرين متناقضين غير ممكن البتة والعاقل لن يطيع سوى القادر منهما الذي بيده مقاليد الأمر لا العاجز!! فآل الأمر إلى واحد!! مع أن العادة جرت أن الملك القادر لن يدع العاجز حتى يزيله، وكذلك من يعبد إلهين أو أكثر لا يخلو إما أن يكونا عاجزين معا أو أحدهما، والعاجز الذي لا يدفع الضر عن نفسه وعن غيره فلا يستحق العبادة حينئذ وإنما يستحقها ملك الملوك القادر وهو الله الواحد الأحد.
والمقصود أن هؤلاء دخل عليهم الغلط من جهة قياس المسلم على الكافر بصرف النظر عن صحة المعتقدات، وبهذا جعلوا الحق وأهله والباطل وأهله سواء وظنوا أن هذا مقتضى العقل و العدل!! مثل منع بناء الكنائس في بلدان المسلمين وجواز قتال الطلب ونحوها، ثم من هؤلاء مَن مقتضى كلامه أن الشرع أمر بقتال الطلب ومنع من بناء الكنائس وإن خالف العقل والعدل، ومنهم من رد الشرع؛ لأنه لا يمكن أن يخالف العقل والعدل!! وكلاهما مخطئ من وجه دون وجه، ومعلوم أن المقصود من قتال الكفار ومنع بناء كنائسهم ونحوها هو إزالة الظلم وإقامة العدل والإحسان في الأرض، ولا يستريب عاقل أن إزالة الظلم وإقامة العدل والإحسان واجب مأمور به فكيف يصبح إزالة الظلم من الظلم؟؟ لا يمكن ذلك إلا بتجاوز الحد المشروع كالتمثيل بالمقاتلين أو كقتل غير المقاتلين من رجال ونساء وصبيان!!، وعليه يتضح أن العدل يوجب دحر الظلم!!، ولو قدم هؤلاء ما قدمه العقل والشرع من تقديم الحق على الباطل لاستبان لهم الطريق وانكشفت عنهم الأوهام!!
رشقت المجتمعات الإسلامية بوابل من المصطلحات ليل نهار انخدع بها كثير من الناس، مع أن السلف الصالح أسسوا قاعدة متينة في التعامل مع المصطلحات الوافدة، وهو أن كل مصطلح وافد يعرض على الكتاب والسنة فما وافقه قبل وما خالفه رد، وما احتمل حقا وبطلا كالألفاظ المجملة لاشتراكها أو لأن لها معنى في العرف يختلف عن معناها في وضع اللغة ونحو
(1) وقد عقد حبنكة الميداني بابا في (خداع الشعارات) في كتابه كواشف زيوف (217) وما بعدها وكلامه نفيس لم أره إلا بعد الفراغ من كتابتي هذه.