الصفحة 17 من 36

ذلك فلا يقبل ولا ينفى وإنما يستفصل، فيقبل القدر الموافق للحق ويرد القدر الموافق للباطل .. [1]

ويكمن خطر مثل هذه المصطلحات في جعلها مقدمة للباطل، كجعل المساواة مقدمة عقلية لتجريم كل أنواع التفريق - كالتفريق بين المسلم والكافر، والمرأة والرجل، والحق والباطل - ولا يمكن المنازعة العقلية في هذه النتيجة مع التسليم بالمقدمة إلا بنوع من المكابرة؛ لأن اللفظ العام يتناول كل فرد من أفراده، وحتى من خصصها بالشرع يظن أنه لولا ورود النص لكان مقتضى العقل التسوية بينهما، ولا يمكن الجواب عنها جوابا جذريا إلا بالقدح في تلك المقدمة الباطلة! وهو أن الله لم يأمر بالمساواة بإطلاق كما لم ينه عنها بإطلاق؛ وإنما أمر بالعدل، وبينهما فرق لا يهتدي إليه الشهوانيون؛ إذ العدل هو المساواة بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين [2] ، ومن فرق بين المتماثلات فقد ظلم كمن يساوي بين المختلفات!! فمن يفرق بين العالمين والجاهلين والمجتهدين من غير فرق فقد ظلم كمن يساوي بين عالم وجاهل ومجتهد وغير مجتهد وأعمى وبصير .. !!.

ومما يقضى منه العجب مسايرة كثير من أهل العلم الشرعي لأهل الأهواء في مصطلحاتهم ويستخدمونها في سياق ما استخدمها فيه أهل الباطل دون تحرير لها أو تمحيص بعرضها على الكتاب والسنة، وربما زعم بعضهم أنها من صميم الإسلام!! فتراه يقول: الإسلام يحارب الطائفية، ولا يرضى بالإقصائية، وينافح من أجل المساواة والتسامح والحرية!! ويعني بها نفس ما يعني بها أهل الأهواء ...

وفي الجملة: فإن المصطلحات المستعملة عند أهل الباطل على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: مصطلح لا يحمل مدحا ولا ذما في أصل الشرع واللغة كالطائفية [3] ونحوها كقوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بينهما} [الحجرات: 9] ، وقد يمدح أهل الطائفية إن أريد بها طائفة من أهل العلم كما قال تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ

(1) قال أبو العباس ابن تيمية-رحمه الله-في درء التعارض (1/ 42) : (ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب اتباعه فيثبتون ما أثبته الله ورسوله وينفون ما نفاه الله ورسوله ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها: نفيا إثباتا لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل فإذا تبين المعني أثبت حقه ونفي باطله بخلاف كلام الله ورسوله فإنه حق يجب قبوله وإن لم يفهم معناه وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه)

(2) مجموع الفتاوى (20/ 505) إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 2)

(3) حرب المصطلحات 00 من معاداة السامية إلى الطائفية /د محمد السعيدي. نشر في شبكة فلسطين للحوار في تاريخ 6/ 5/2011 م 01

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام