والباطن من التلازم، لكن هناك كثير من الاعتقادات لا مدخل لها في الولاء والبراء كالعلم بأن السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب كلها مخلوقة وأن السماوات سبع والأرضيين مثلهن ونحوها من الأقدار الكونية التي لا تستلزم حبا ولا بغضا، كما أنه يستثنى من عمل القلب الرحمة والحب الطبيعي؛ إذ مثل هذا لا ينافي الولاء والبراء ولا مدخل له فيه؛ وبهذا يتضح أن الولاء والبراء أخص من الإيمان وهو ركن فيه؛ لدخوله في ماهية الإيمان، وقد ظن بعض المتأخرين أن ذكر الجملة الشرطية في قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [81] يستلزم أن يكون شرطا ولم يفرقوا بين الشرط اللغوي والشرط الاصطلاحي مع أنه لا تلازم بينهما!
والمقصود أن الولاء والبراء ركن في الإيمان بل هو أوثق أركانه كما قال رسول الله / لأبي ذر: (( أي عرى الإيمان أوثق؟ ) )قال: الله ورسوله أعلم، قال: (( المولاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله ) )رواه الطبراني [1] وحسنه الألباني [2] . قال أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله-:"فَإِنَّ تَحْقِيقَ الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُحِبَّ إلَّا لِلَّهِ وَلَا يُبْغِضَ إلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُوَالِيَ إلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُعَادِيَ إلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يُحِبَّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيُبْغِضَ مَا أَبْغَضَهُ وَيَامُرَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَيَنْهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّك لَا تَرْجُو إلَّا اللَّهَ وَلَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ وَلَا تَسْأَلُ إلَّا اللَّهَ وَهَذَا مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْإِسْلَامُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ جَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ" [3] والولاء والبراء شعب منها ما يقدح في أصل الإيمان كبغض الله ورسوله والمؤمنين وحب الطاغوت والكفر والكافرين ومنه ما يقدح في كمال الإيمان لا في أصله كحب بعض أهل الفسوق والعصيان وفي الحديث: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان) رواه أبوداود وحسنه الألباني [4]
والسلف الصالح لم يختلفوا في هذا الأصل العظيم في الجملة لوضوحه وأهميته وكثرة وروده في الكتاب والسنة، وقد ألفت فيه كتب كثيرة جدا، وخلاصة مذهبهم في الولاء والبراء هو: وجوب بغض الكفر والكافرين ومحبة الإيمان والمؤمنين كما لم يتنازعوا في بقاء العزة الإيمانية
(1) المعجم الكبير للطبراني (9/ 415) رقم (11372)
(2) السلسلة الصحيحة (3/ 72)
(3) مجموع الفتاوى (8/ 337)
(4) السلسلة الصحيحة (1/ 379)