أساليبها شكلت في الأذهان قاعدة يظنها المتأثر بهم من المسلمات وهي في حقيقتها وهميات!! [1]
وكثير من الشرعيين الذين تأثروا بمثل هذا الطرح - وتشكلت في أذهانهم تلك الأوهام - راحوا يبحثون عن مخارج لتغيير معنى البراء من الكافرين إلى غير المعنى الذي نطق به الكتاب والسنة، وتحدث عنه سلف الأمة، ولهذا تجدهم يستدلون على عدم بغض الكافرين بأن الله أمر بحسن معاملتهم وبرهم والإقساط إليهم في قوله تعالى: /لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ/ وهم بهذا النص ونحوه يصرفون النصوص الكثيرة الواردة في الولاء والبراء عن ظاهرها بألوان من التأويل، وهؤلاء على درجات منهم من ضرب أصل الإيمان بمعول التمييع للولاء والبراء فلا يقوم لأصل الإيمان قائمة ولا يغفر لهم البتة إلا بالتوبة وإقامة أصل الإيمان، ومنهم دون ذلك ممن خدش في بعض شعب الإيمان مع بقاء الأصل سالما وهؤلاء أذنبوا والله يغفر لهم عاجلا أو آجلا.
من الملاحظ أن الطائفتين أخذتا ببعض النصوص وتركتا البعض الآخر ظنا منهما وجود تعارض بينها، غير أن الطائفة الأولى أقرب إلى الحق من الطائفة الثانية في الجملة؛ لكثرة النصوص ووضوحها وتأخرها وعدم مخالفتها لأصول الإيمان وقد حصل في نسخها نزاع معروف وغير ذلك، كما أن خطأهم يعد من قبيل الخطأ في أدنى شعب الإيمان وهو إماطة الأذى عن الطريق الذي هو من التعامل مع المخلوقين وهو مهم أيضا؛ لأنه من الإيمان وقد ينتمي التعامل مع الكفار إلى شعبة أرفع من إماطة الأذى حسب ما يحتف به ومما يزيد في أهميته أنه وسيلة لنشر الإسلام بمنزلة الإناء للغذاء، فإن كان الإناء جذابا دعا الناظرين لرؤيته ومعرفة ما فيه وتذوقه، وإن كان قبيحا نفر الناس من النظر فيه فضلا عن تذوقه، لكن خطأ الطائفة الثانية وقع في أعلى شعب الإيمان وهو لا إله إلا الله ومنه الولاء والبراء، وقد يكون خطأهم فيما دون ذلك من مكملات الإيمان كحب بعض أهل الفسوق والعصيان قال تعالى: وَلَكِنَّ
(1) قال الشيخ المحدث عبدالعزيز الطريفي معلقا: إن سبب وجود الجفاة أن منهم طائفة سبق إلى أذهانهم المعاني الغالية للبراء التي يظهرها الطرف الأول فأثر ذلك عليهم فقابلوا الإفراط بالتفريط كما سبق إلى أذهان المعطلة التشبيه فراموا التنزيه وتجاهلوا الوسط. اهـ