الصفحة 3 من 36

لفظة (الولاء) في لغة العرب تأتي على معان متقاربة ترجع إلى معنى واحد و هو (القرب) ، كما أن لفظة (البراء) ترجع في لغة العرب إلى معنيين أنسبهما للمعنى الاصطلاحي أنه (البعد!!) [1]

والولاء والبراء في عرف العلماء أخص منه في وضع اللغة، قال أبو العباس ابن تيمية-رحمه الله- (وأصل البراء البغض وأصل الولاية الحب) [2] ومعلوم من أصول أهل السنة أن هناك تلازما بين الظاهر والباطن، وعليه فإن الحب الباطن لله ورسوله والمؤمنين يلزم منه طاعة الله ونصرته ونحو ذلك من الأعمال الصالحة الظاهرة، كما أن البغض الباطن للطاغوت والكفر والكافرين يلزم منه مجانبتهم في العبادة وما يخصهم من اللباس والسلوك السيئ!!!

ولا ينتفي التلازم بين الباطن والظاهر إلا بالعجز، أو بالإكراه، أو بالخطأ، وأما النسيان والجهل -وإن كان مما يعذر بهما باتفاق في النسيان وبالخلاف في الجهل على قولين - لا يحصل فيهما انفكاك بين الظاهر والباطن.

والمقصود أن المحبة أصل الولاء، والبغض أصل البراء، وما يحصل من الغلط في أمور الباطن أعظم مما يحصل في أمور الظاهر؛ لأن الغلط في أصل الشيء أعظم من الغلط في فروعه اللازمة له.

يمكن كشف العلاقة بين الإيمان وبين الولاء والبراء بشكل أدق وأعمق بالنظر إلى ماهية الإيمان وهو عند السلف (قول وعمل) وهو أدق من تعريفات المتأخرين؛ إذ يتناول أربعة أمور- قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح - والولاء والبراء ألصق بالعمل منه بالقول؛ لأن عمل القلب به الحب والبغض الذين هما أصل الولاء والبراء، بينما قول القلب به المعرفة والاعتقاد وإن كان عمل القلب يلزم منه حصول الاعتقاد قبل ذلك؛ إذ قول القلب يسبق عمل القلب إذ لا يمكن أن يوجد حب وبغض على أمر عدمي في الأعيان و الأذهان، وإذا تحرك القلب بالحب والبغض فيلزم منه ظهور أثره على الأفعال والأقوال لما بين الظاهر

(1) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (6/ 142) و (1/ 236)

(2) مجموع الفتاوى (10/ 465)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام