قد غفرت له وأحبطت عملك"رواه مسلم1."
قوله:"وأحبطت عملك": ظاهر الإضافة في الحديث: أن الله أحبط عمله كله; لأن المفرد المضاف الأصل فيه أن يكون عاما. ووجه إحباط الله عمله على سبيل العموم -حسب فهمنا والعلم عند الله-: أن هذا الرجل كان يتعبد لله وفي نفسه إعجاب بعمله، وإذلال بما عمل على الله كأنه يمن على الله بعمله، وحينئذ يفتقد ركنا عظيما من أركان العبادة; لأن العبادة مبنية على الذل والخضوع; فلا بد أن تكون عبدا لله عز وجل بما تعبدك به وبما بلغك من كلامه، وكثير من الذين يتعبدون لله بما تعبدهم به قد لا يتعبدون بوحيه، لأنه قد يصعب عليهم أن يرجعوا عن رأيهم إذا تبين لهم الخطأ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحرفون النصوص من أجله، والواجب أن تكون لله عبدا فيما بلغك من وحيه، بحيث تخضع له خضوعا كاملا حتى تحقق العبودية.
ويحتمل معنى"أحبطت عملك"; أي: عملك الذي كنت تفتخر به على هذا الرجل، وهذا أهون; لأن العمل إذا حصلت فيه إساءة بطل وحده دون غيره، لكن ظاهر حديث أبي هريرة يمنع هذا الاحتمال، حيث جاء فيه أن الله تعالى قال: اذهبوا به إلى النار.
ونظير هذا مما يحتمل العموم والخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فيمن منع الزكاة:"فإنا آخذوها وشطر ماله عزمه من عزمات ربنا"2 فقوله:"وشطر ماله"; هل المراد جميع ماله،
1 أخرجه: مسلم في (البر والصلة, باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله, 4/2023) .
2 أخرجه: أحمد في"المسند" (5/2, 4) , وأبو داود في (الزكاة, باب زكاة السائمة, 2/233) , والنسائي في (الزكاة, باب عقوبة مانع الزكاة, 5/15) , والدارمي في (الزكاة, باب ليس في عوامل الإبل صدقة, 1/396) , والحاكم في (الزكاة, 1/398) - وصححه على شرطهما, ووافقه الذهبي-. وقال ابن قدامة في"المغني" (4/7) :"وسئل -أي أحمد- عن إسناده; فقال: هو عندي صالح الإسناد) ."