مخطئون كان قادحاً في حق الإسلام كله لأنه إن جاز أن يخطئوا في هذا جاز خطؤهم في غيره من الإسلام كله وينبغي أن لا تنقل الأخبار التي نقلوها ولا تثبت معجزات النبي، صلى الله عليه وسلم، التي رووها فتبطل الرواية وتزول الشريعة ولا يجوز لمسلم أن يقول هذا ولا يعتقده .."."
ووصايا السلف رحمهم الله بلزوم السنة كثيرة جداً فقد صنفوا المصنفات في السنة ووجوب لزومها والأخذ بعراها وترك ما خالفها كما أن السلف رحمهم الله في مصنفاتهم في السنة وفي الفرقة الناجية حذروا من البدع وأهلها. كالجهمية والقدرية والمعتزلة والإباضية والكرامية والماتردية والأشاعرة وغيرهم من أهل البدع والضلال والإلحاد الذين نبذوا كتاب ربهم وسنة نبيهم وراء ظهورهم.
ونفوا عن الله تعالى ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، كإثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه وإثبات رؤية المؤمنين لربهم جل وعلا يوم القيامة وبعد دخول الجنة وإثبات اليدين لله والساق والقدم والصورة والسمع والبصر والعلم والقدرة والحياة والرحمة والرضى والمحبة والفرح والغضب والشخص [1] والعينين وغير ذلك مما جاءت به النصوص
(1) - وقد كتبت رسالة"وهي لم تطبع بعد"في إثبات صفة الشخص لله تعالى لقوله، صلى الله عليه وسلم:"لا شخص أغير من الله"وقال لقيط بن عامر للنبي، صلى الله عليه وسلم، بعدما قال النبي:"فتنظرون إليكم وينظر إليكم". قال لقيط:"كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه .. الحديث". وهو حديث حسن وقد أقره النبي، صلى الله عليه وسلم، على قوله"وهو شخص"وبينت في هذه الرسالة خطأ من قال:"إن الشخص اسم من أسماء الله تعالى". وكشفت فيها خطأ خصومنا علينا وتقويلهم إيانا ما لم نقل من دعواهم أنني أقول"إن الشخص من أسماء الله تعالى"وقد سبق أن كتبت رسالة"بخط اليد ولم تطبع"بينت فيها أن لفظ الشخص يطلق على الله وذكرت حديثين يدلان على ذلك وقلتُ بعد ذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أثبت هذا الاسم لله تعالى وعلقت في الحاشية قائلاً:"أي من حيث اللغة وإلا فالشخص يطلق على الله صفة لا اسماً".
فتعامى عن ذلك خصومنا حرصاً على التبديع والتضليل فقوّلونا ما لم نقل ولما لم يكن الحق مطلبهم وضالتهم، زعموا أنني أقول إن الشخص اسم من أسماء الله تعالى وهذا خطأ علي. فليس في رسالتي ما يشعر بأنني أجعل الشخص اسماً من أسماء الله تعالى كيف وما ذكرته في الحاشية صريح في مرادي. وعنوان الرسالة يدل على ذلك فإن عنوانها"البيان في خلق آدم على صورة الرحمن وإطلاق لفظ الشخص على رب الأنام"ولو حسن قصد هؤلاء لاكتفوا بما في الحاشية ولم يخوضوا فيما لا يحسنونه وما جاء في عبارتي من ذكر الاسم فالمراد لغة وهذا يرد في كلام المحققين من العلماء بكثرة فهذا ابن القيم رحمه الله كما في مختصر الصواعق ص"299"يقول: الوجه السابع: إن اسم الرحمة استعمل في صفة الخالق وصفة المخلوق". فابن القيم رحمه الله قال إن اسم الرحمة وأراد بالاسم من حيث اللغة قطعاً لأن الرحمة صفة كما قال رحمه الله بعد ذلك."
وهذا الإمام البخاري رحمه الله يقول في كتاب التوحيد من صحيحه [13/ 402 - الفتح] :
"باب. قل أي شيء أكبر شهادة. وسمى الله تعالى نفسه شيئاً .. إلخ. ولو أخذنا هذه الترجمة على فهم هؤلاء الذين يلزموننا بجعل الشخص اسماً من أسماء الله تعالى كي يلجوا لجة التبديع لقلنا إن البخاري رحمه الله جعل الشيء اسماً من أسماء الله تعالى وهذا خطأ، فالبخاري رحمه الله لم يردد ذلك ومثل هذا كثير في كلام أهل العلم، ولم يلتبس الأمر على من حسن قصده ولكن لما ساء القصد ساء الفهم والذي يريد حمل الأقوال الصحيحة على المعاني الفاسدة ويتأولها على غير المراد منها لا يعجز عن ذلك فأهل الباطل حرفوا كلام الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وتأولوا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على مذاهبهم واستدلوا بها لباطلهم، وما من أحد يريد أن يتأول الأقوال الصحيحة أو النصوص سواء كانت من القرآن أو من السنة على مذهبه الباطل إلا وجد إلى ذلك سبيلاً ولكنه خسران وخسارته ظاهرة بينه فعند الله تجتمع الخصوم فيحق الحق ويبطل الباطل."
وتفاصيل ذلك مودع في مصنف مستقل. فقد اعترضوا على الرسالة بعدة أشياء وحرفوا الكلم عن مواضعه وقد أجبت عن جميع اعتراضاتهم وبينت تحاملهم علينا وكل ذلك ولله الحمد على طريقة أهل العلم دون ظلم وجهل وبغي كما فعلوا معنا فإنهم يكذبون ويحملون المعاني ما لا تحتمل.
وأنا وإن كذبوا فمعاذ الله أن أكذب عليهم فإن الكذب"مجانب الإيمان". وأنا أعرف بما قرأته في كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن الحق له أعداء يصدون عنه بالقول والفعل، وذلك لا يصدني عن بيان الحق وإظهاره للناس. والذي أنصح به كل مسلم أن يطلب العلم الموروث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بجد واجتهاد وأن يلازم العلماء العاملين بعلمهم كي ينتفع بهم وأن لا يتصدر حتى يتأهل وإلا فاته شيء كثير من العلم، وأن يلازم التقوى في قوله وفعله وإلا جهل على الخلق، وأن يخلص لله تعالى فإن العمل لا يقبل ما لم يكن خالصاً صواباً. وليعلم كل مسلم أنه وإن انتصر بالباطل في هذه الحياة الدنيا فإنه سوف يقف بين يدي الله فيحاسبه عن الصغير والكبير.
وما بالك بمن لقي الله وقد بدّع وضلل من لا يستحق ذلك ماذا يكون حاله؟ وما بالك بمن يرمي المسلمين بالكذب والافتراء كي يثير الشبه حولهم وهو يعلم عنهم خلاف ذلك.
وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
هذا ما أردت بيانه. وما أوردت في هذه الحاشية إنما أردت به إزالة اللبس وبيان حقيقة الأمر حتى يكون واضحاً جلياً لعموم الناس ومن جهل علينا بعد ذلك فحسابه عند ربه.
ولولا أن خصومنا أذاعوا بذلك عنّا بين الحاضر والباد لما ذكرت شيئاً مما تقدم ولضربت عنه صفحاً فإن الاشتغال بأقوال الخصوم وهي تتجدد كل يوم مما يضيع الوقت، ولكن لما وقع بعض الناس في لبس وآخرون وقعوا في التبديع وضحت ذلك، والله الموفق.