فصل
قال السقاف متابعاً ذكر الألفاظ المنكرة في حديث الصورة على حد زعمه قال:"وقوله فيه:"فعلمت ما بين السموات والأرض"تنقضه نصوص صحيحة صريحة منها قوله تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) ."
أقول: وجواب هذا من وجوه:
الوجه الأول: أنه لا تنافي بين قوله، صلى الله عليه وسلم:"فعلمت ما بين السموات والأرض"وبين قوله تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) . فإنه ليس في الحديث أنه علم جميع الأمور الغيبية هذا أولاً.
ثانياً: جاء في حديث ابن عباس عند الترمذي"فعلمت ما بين المشرق والمغرب". وفي رواية عند الترمذي أيضاً:"فتجلى لي كل شيء". ومثل هذا ما جاء في حديث ثوبان المخرج في صحيح مسلم:"إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاريها".
الوجه الثاني: أن قوله، صلى الله عليه وسلم:"فعلمت ما بين السموات والأرض"يخص منه مفاتح الغيب الخمس التي ذكرها الله تعالى بقوله: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ) . فيكون المعنى فعلمت ما بين السموات والأرض إلا مفاتيح الغيب الخمس فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:"مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله". رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما.
يؤيد هذا الوجه ما رواه أبو داود الطيالسي [1] في مسنده بسند صحيح عن ابن عمر قال: أوتي نبيكم مفاتيح الغيب إلا الخمس ثم تلا هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) إلى آخرها.
وأما ما رواه أحمد في مسنده (ج 4/ 81) والحاكم في مستدركه (ج 1/ 90) وغيرهما من طريق محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رجلاً أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي
(1) - ج [2/ 22 - منحة المعبود] .