البلدان شر؟ قال: فقال:"لا أدري".. الحديث، فيحمل على أن هذا السؤال وقع قبل أن يعلمه الله ما بين السموات والأرض.

الوجه الثالث: أن الله جل وعلا أخبر في كتابه أنه يطلع عباده المرسلين على ما يشاء من علم الغيب كما قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) الآية. وقال: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) .

فهاتان الآيتان ونحوهما تدلان دلالة ظاهرة على أن النبي، فضلاً عن غيره لا يعلم شيئاً من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وهذا مما لا نزاع فيه بين أحد من المسلمين.

وقد قال القرطبي على قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ) الآية."قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدّح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم".

فمن الغيب الذي أطلع الله عليه نبيّه تعليمه ما بين السموات والأرض.

الوجه الرابع: يحتمل أن يكون معنى قوله، صلى الله عليه وسلم:"فعلمت ما بين السموات والأرض"أي فعلمت ما في الكون من الحكم العظيمة والآيات الباهرة والدلالات الظاهرة يدل عليه أنه جاء في حديث عبد الرحمن بن عائش أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:"فوضع كفَّه عز وجل بين كتفي فعلمت ما في السموات وما في الأرض ثم تلا (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) "

قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره (5/ 247) :"وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله تعالى بقوله: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أنه أراه ملك السموات والأرض وذلك ما خلق فيهما من الشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وغير ذلك من عظيم سلطانه فيهما وجلّى له بواطن الأمور وظواهرها".

الوجه الخامس: أن الحديث إذا صح مخرجه فالواجب على جميع الخلق الإيمان به، وألا يضربوا له الأمثال، وعليهم أن يسيئوا الظن بفهومهم لا بالحديث فإن أقوال النبي، صلى الله عليه وسلم، لا تتعارض مع القرآن، ولكن الشأن بالفهوم هل هي صحيحة مستنيرة بالكتاب والسنة على فهم السلف أم هي قاصرة عن إدراك ذلك لموانع، والناس يتفاوتون في ذلك.