فإذا كان الأمر كذلك فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، وننفي عن الله تعالى ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله، صلى الله عليه وسلم، ونسكت عما سكت عنه الصحابة إلا إذا تضمن معنى فاسداً فيجب نفيه وهذا الذي درج عليه علماء السلف فإن مراعاة الألفاظ في باب الأسماء والصفات أمر متعين.
وإحداث الألفاظ المبتدعة سواء كانت في النفي أو الإثبات ليس من منهج السلف بل هم أشد الناس نهياً عن ذلك وقد قال أحمد رحمه الله:"يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم" [1] .
والسقاف لما لم يفهم من صفات الخالق إلا ما فهمه من صفات المخلوق نفى عن الله تعالى"الكف"بدعوى أن ذلك يدل على إثبات جارحة لله تعالى فنفى عن الله تعالى صفة صحت بها النصوص بكلام مبتدع يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً على حسب مراد المتكلم، وترك الكلام في ذلك مطلقاً هو الأسلم.
فإن الألفاظ المبتدعة كالجارحة والجسم والحيز والعرض ونحو ذلك لا تقابل بقبول مطلقاً ولا رد مطلقاً حتى يعرف مراد المتكلم وغالبها يريد بها أهل البدع تكذيباً للحق وتصديقاً للباطل كما فعل السقاف وقبله غيره من أهل الأهواء والبدع.
وبمثل هذا السبب وغيره نهى السلف عن الكلام بمثل هذه الألفاظ المبتدعة في الشرع.
قال السيف المسلول على أهل البدع والفجور أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (ج 5/ 432) :"... إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه عن الله من صفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات، بل كل معنى صحيح فإنه داخل فيما أخبر به الرسول، صلى الله عليه وسلم. والألفاظ المبتدعة ليس لها ضابط بل كل قوم يريدون بها معنى غير المعنى الذي أراده أولئك كلفظ الجسم، والجهة، والحيز، والجبر ونحو ذلك، بخلاف ألفاظ الرسول فإن مراده بها يعلم كما يعلم مراده بسائر ألفاظه ولو [2] يعلم الرجل مراده لوجب عليه الإيمان بما قاله مجملاً. ولو قدّر معنى صحيح، والرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يخبر به لم يحل لأحد أن يدخله في دين المسلمين. بخلاف ما أخبر به الرسول، صلى الله عليه وسلم، فإن التصديق به واجب، والأقوال المبتدعة تضمنت تكذيب كثير مما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، وذلك يعرفه من عرف مراد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومراد أصحاب تلك الأقوال المبتدعة. ولما"
(1) - بيان تلبيس الجهمية ج 1/ 100.
(2) - هكذا في الفتاوى وصواب العبارة:"ولو لم يعلم"كما في طبعة كتاب شرح حديث التزول.