الصفحة 6 من 25

فتبين أن موالاة المؤمن للكافر سبب الافتتان في الدين، بترك واجباته، وارتكاب محرماته، والخروج عن شرائعه، وسبب للفساد في الأديان والأبدان والأموال، فأين هذا من قول أهل الفساد والمجون: أن موالاة المشركين صلاح وعافية وسلامة؟!

وقال تعالى: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء، حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم، ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا} فأخبر تعالى عن الكفار: أنهم يودون كفر المسلمين كما كفّروهم، ثم نهى أهل الإيمان عن موالاتهم حتى تحصل منهم الهجرة بعد الإسلام.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون. لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير. قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ... } ، إلى قوله: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ... } ، إلى قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} .

وقد ثبت في الصحاح: أن هذه السورة نزلت في رجل من الصحابة، لما كتب إلى أهل مكة يخبرهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عام الفتح، فأنزل الله هذه الآيات بخبر هذا الكتاب، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في أثر المرأة التي ذهبت بالكتاب، فوجده في عقيصة رأسها، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذر ويحلف أنه ما شك، ولكنه ليس له من يحمي مَن وراءه من أهله بمكة، وأنه أراد هذا يدا عند قريش، وأستأذن بعض الصحابة في قتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أن الله أطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فلولا أن ذلك الرجل كان من أهل بدر، لقتل لأجل هذا الكتاب.

ففي هذه السورة مع سبب نزولها، من الأدلة على وجوب عداوة الكفار ومقاطعتهم أدلة كثيرة:

فنهى تعالى أهل الإيمان عن اتخاذ عدوه وعدوهم وليا، وهذا تهييج على عداوتهم، فإن عداوة المعادي لربك باعثة وداعية إلى عداوتك له.

ولنضرب لذلك مثلا ولله المثل الأعلى؛ فقدّر نفسك مملوكا لإنسان هو سيدك، والسبب في حصول مصالحك ومنع مضارك، وسيدك له عدو من الناس، فهل يصح عندك، ويجوز في عقلك أن تتخذ عدو سيدك ولياً، ولم ينهك عن ذلك؟! فكيف إذا نهاك أشد النهي، ورتب على موالاتك له أن يعذبك، وأن يسخط عليك، وأن يوصل إليك ما تكره، ويمنع عنك ما تحب؟ فكيف إذا كان هذا العدو لسيدك، عدوا لك أيضا، فإن واليته مع ذلك كله، إنك إذاً لمن الظالمين الجاهلين!!

ثم قال: {تلقون إليهم بالمودة} وهذا كاف في إبطال شبهة المشبهين، فإنه إذا أنكر عليهم موالاة المشركين وموادتهم قالوا: لم يصدر منا ذلك، وهم مع ذلك يعينون أهل الباطل بأموالهم، ويذبون عنهم بألسنتهم، ويكاتبونهم بعورات المسلمين.

فأين هذا من الكتاب الذي نزلت فيه هذه السورة؟ وقد سماه الله إلقاء بالمودة!، وهذا ظاهر جداً.

ثم قال: {وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم} فذكر ما يدعو إلى عداوتهم: وهو كفرهم بالحق الذي جاءنا من عند الله، وإخراجهم النبي صلى الله عليه وسلم وأهل الإسلام، لأجل الإيمان بالله.

ثم حذر تعالى من موالاتهم، بأنه يعلم السر و العلانية، وهذا تهديد شديد.

ثم قال: {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} أي: من يتول أعداء الله، ويلقي إليهم بالمودة، ويسر إليهم، فقد أخطأ الصراط المستقيم، وخرج عن طريق الصواب.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام