الصفحة 4 من 25

وهذا أوان الشروع في المقصود:

فأما معاداة الكفار والمشركين:

فاعلم أن الله سبحانه وتعالى أوجب ذلك وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم، بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده قال الله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا إنما نحن مصلحون} قال ابن جرير رحمه الله تعالى: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عملا إلا بالتصديق به، والإيقان بحقيقته وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والتكذيب، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله، إن وجدوا إلى ذلك سبيلا.

قال ابن كثير: وهذا الذي قاله حسن، فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء كما قال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فقطع الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين} .

وقوله: {إنما نحن مصلحون} أي: نريد أن نداري بين الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصلح مع هؤلاء وهؤلاء. يقول الله: {ألا إنهم هم المفسدون} يقول: ألا إن هذا الذي يشهدونه ويزعمون أنه إصلاح، هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادا. اهـ.

وهذا الذي ذكره، قد والله سمعناه ورأينا أهله، فإنه إذا قيل لهم: ما الحامل لكم على مجالسة أهل الشر والفساد؟ قالوا: نريد أن نصلح أحوالنا، ونستخرج دنيانا منهم، ويكون لنا يدٌ عندهم.

وبعضهم: إذا ظن بالله ظن السوء من أدالة أهل الباطل، ورأى من له اتصال بهم وتوصل إليهم، أتخذه صديقا ورضي به جليسا، قائلا بلسان حاله: {نخشى أن تصيبنا دائرة} {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} ، وقال تعالى: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} ، إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا} .

قال ابن كثير: ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني أنهم معهم في الحقيقة، يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة، يقولون إذا خلوا بهم: إنّا معكم، إنما نحن مستهزئُون بالمؤمنين في إظهارنا لهم الموافقة، قال الله تعالى منكرا عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين: {أيبتغون عندهم العزة} ثم أخبر بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} ، وقال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} .

والمقصود من هذا: التهييج على طلب العزة من جانب الله تعالى، والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

قلت: فإذا كانت موالاة الكافرين من أفعال المنافقين، فهذا كافٍ في تحريمها والنهي عنها.

وقال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} فنهى سبحانه المؤمنين عن موالاة الكافرين ثم قال: {ومن يفعل ذلك} أي: ومن يوالِ الكافرين، فليس من الله في شيء، أي: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، حفظا للإسلام والتوحيد.

وقال تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} .

قال شيخ الإسلام رحمه الله: فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم.

قلت: رتب الله تعالى على موالاة الكافرين سخطه، والخلود في العذاب، وأخبر أن ولايتهم لا تحصل إلا ممن ليس بمؤمن، وأما أهل الإيمان بالله وكتابه ورسوله، فإنهم لا يوالونهم، بل يعادونهم، كما أخبر الله عن إبراهيم والذين معه من المرسلين، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام