وهاهنا أمور يجب التنبيه عليها، ويتعين الاعتناء بها، ليتم لفاعلها مجانبة دين المشركين:
الأمر الأول: ترك اتباع أهوائهم:
وقد نهى الله تعالى عن اتباعها، قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن أتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} .
قال شيخ الإسلام: فانظر كيف قال في الخبر {ملتهم} ، وقال في النهي {أهواءهم} لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقا، والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير، وقال تعالى لموسى وهارون: {فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} ، وقال موسى لأخيه هارون: {أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} ، وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولَّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} ، وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} ، إلى قوله: {ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} ، وقال تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين. وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين} .
قال شيخ الإسلام: فأخبرنا سبحانه وتعالى أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيا من بعضهم لبعض، ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته وأهواؤهم: ما يهوونه.
قلت: فإذا كان اتباع أهواء جميع الكفار وسلوك ما يحبونه منهيا عنه وممنوعا منه، فهذا هو المطلوب، وما ذاك إلا خوفا من إتباعهم في أصل دينهم الباطل.
وقال تعالى: {وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق} فأخبر سبحانه: أنه أنزل كتابه حكما عربيا، ثم توعده على اتباع أهواء الكفار بهذا الوعيد الشديد. وقال تعالى: {ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون} ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب ترك أهواء الكافرين، وتحريم اتباعها، وأنه من أعظم القوادح في الدين.
الأمر الثاني: معصيتهم فيما أمروا به:
فإن الله تعالى نهى عن طاعة الكافرين، وأخبر أن المسلمين إن أطاعوهم، ردوهم عن الإيمان إلى الكفر والخسارة، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} ، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} ، وقال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا} ، وقال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} ، وقال تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} ، وقال تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا. فلا تطع الكافرين وجهادهم به جهادا كبيرا} ، وقال تعالى: {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما} ، وقال تعالى إخبارا عمن أطاع رؤساء الكفر: {وقالوا ربنا إنَّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} ، وقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وفسّر النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذهم أربابا: بأنها طاعتهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام.