روى أبو داود في سننه عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) .
قال شيخ الإسلام: وإسناده جيد، وأقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} .
وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة. وقد ثبت عن عائشة، أنها كرهت الاختصار في الصلاة، وقالت: لا تشبهوا باليهود.
وروى البيهقي بإسناد صحيح، عن عمرو بن دينار، قال: قال: عمر بن الخطاب: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم.
وروى بإسناد صحيح، عن أبي أسامة حدثنا عوف، عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو، قال: من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حُشر معهم يوم القيامة.
فهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم؟ أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم؟! أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟ أوليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟!
وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه، أليس قد تعرض إلى العقوبة.
وأما عبد الله بن عمرو فصرح: إنه من بنى ببلادهم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم، وهذا يقتضي أنه جعله كافرا بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه. فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية، لأنه لو لم يكن مؤثرا في استحقاق العقوبة، لم يجز جعله جزءا من المقتضى، إذ المباح لا يعاقب عليه، وليس الذم على بعض ذلك مشروطاً ببعض، لأن أبعاض ما ذكره تقتضي الذم منفردا.
وعن عمرو بن ميمون الأودي، قال: قال عمر رضي الله عنه: كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأفاض قبل طلوع الشمس.
وقد روي في هذا الحديث فيما أظنه أنه قال: (خالف هدينا هدي المشركين) وكذلك كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإفاضة بعد الغروب.
وعن عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين، قال: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) رواه مسلم. علل النهي عن لبسها بأنها من ثياب الكفار.
وفي كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد: وإياك وزِي أهل الشرك. وهو في الصحيحين.
وروى الخلال، عن محمد بن سيرين: أن حذيفة أتى بيتاً، فرأى فيه شيئا من زِي العجم، فخرج، وقال: من تشبه بقوم فهو منهم. وقال علي بن أبي صالح السواق: كنا في وليمة، فجاء أحمد بن حنبل، فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة، فخرج، فلحقه صاحب الدار، فنفض يده في وجهه وقال: زي المجوس، زي المجوس!!
وعن قيس بن أبي حازم، قال: دخل أبو بكر، على امرأة من أحمس يقال لها: زينب فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت، فقالت: من أنت؟ قال: امرء من المهاجرين، قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي قريش؟ قال: إنكِ لسؤول، أنا أبو بكر، فقالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤساء وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟، قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس، رواه البخاري في صحيحه.
فأخبر أبو بكر رضي الله عنه: أن الصمت المطلق لا يحل، وعقب ذلك بقوله: هذا من عمل الجاهلية، قاصدا بذلك عيب هذا العمل وذمه، وتعقيب الحكم بالوصف دليل على أن الوصف علّة فدل على أن كونه من عمل الجاهلية وصف يوجب النهي عنه والمنع منه.
وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: إياكم وزي أهل الشرك.