الصفحة 12 من 25

وهذا نهي عنه للمسلمين، عن كل ما كان من زي المشركين، وفي كتابه إلى عتبة بن فرقد: إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك ولبوس الحرير.

وروى أحمد بن حنبل في المسند: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس، قال حماد بن سلمة: فحدثني أبو سنان، عن عبيد بن آدم، قال سمعت عمر رضي الله عنه يقول لكعب، أين ترى أن أصلي، قال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر رض الله عنه، ضاهيت اليهود!! لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه، وكنس الناس.

فعاب رضي الله عنه على كعب مضاهاة اليهودية، أي: مشابهتها في مجرد استقبال الصخرة، لما فيه من مشابهة من يعتقدها قبلة باقية وإن كان المسلم لا يقصد أن يصلي إليها.

وقد كان لعمر رضي الله عنه في هذا الباب من السياسات المحكمة، ما هي مناسبة لسائر سيرته المرضية، فإنه رضي الله عنه هو الذي استحالت ذَنوبُ الإسلام في يده غربا، فلم يفرِ عبقريٌ فريه، حتى صدر الناس بعطن، فأعز الإسلام وأذل الكفر وأهله وأقام شعار الدين الحنيف، ومنع من كل أمر فيه تذرع إلى نقض عُرى الإسلام، مطيعا في ذلك لله ولرسوله، وقافا عند كتاب الله، ممتثلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، محتذيا حذو صاحبه، مشاورا في أموره للسابقين الأولين، حتى أن العمدة في الشرط على أهل الكتاب على شروطه، وحتى منع من استعمال كافر أو ائتمانه على الأمة وإعزازه بعد إذ أذله الله وحتى روي أنه حرق الكتب العجمية، وهو الذي منع أهل البدع أن ينبغوا وألزمهم ثوب الصغار.

وروى الخلال عن عكرمة، عن ابن عباس: انه سأل رجل أأحتقن؟، قال: لا تبد العورة، ولا تستن بسنة المشركين. فقوله: لا تستن بسنة المشركين عام، وروى أبو داود عن أنس: أنه دخل عليه غلام وله قرنان أو قصتان، فقال: احلقوا هذين أو قصوهما، فإن هذا زي اليهود.

علل النهي عنهما بأن ذلك زي اليهود، وتعليل النهي بعلة يوجب أن تكون العلة مكروهة، مطلوبا عدمها، نقل ذلك شيخ الإسلام.

وقال أيضا، عند قوله صلى الله عليه وسلم: (هل بها عيد من أعياد الجاهلية) : وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان، وأعياد الكفار من الكتابيين والأميين في دين الإسلام من جنس واحد، كما أن كفر الطائفتين سواء في التحريم، وإن كان بعضه أشد تحريما من بعض، وإذا كان الشارع قد حسم مادة أعياد أهل الأوثان خشية أن يتدنس المسلم بشيء من أمر الكفار الذين يئس الشيطان أن يقيم أمرهم في جزيرة العرب، فالخشيه من تدنسه بأوضار الكتابيين الباقين أشد، والنهي عنه أوكد.

إلى أن قال: وقد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات، وصفات الطاعات، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم، في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعا عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أهل الجحيم كان أبعد عن أعمال الجحيم.

فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لهم غاية صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك من فضل الله عليه وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

قلت: فإذا كانت مبالغته صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفة الكفار، إنما هي خوفا من أن تكون مشابهتهم في الهدي الظاهر، مؤدية وجارّة إلى الموافقة والموالاة، فما بال كثير ممن يدّعي الإسلام قد وقع في المحذور بعينه، وهم مع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟!!

وروى أبو داود في سننه وغيره من حديث هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، وكيف يجمع الناس لها، فذكروا له شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: (هو من أمر اليهود) ، وقال: (فذكروا له الناقوس، فقال:(هو من أمر النصارى ... ) الحديث.

قال في القاموس: شبور كتنور. البوق الذي ينفخ فيه ويزمر. اهـ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام