الصفحة 24 من 25

وأما المسألة السادسة: وهي وجب الهجرة وأنها باقية.

فالدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) روه أحمد وأبو داود.

وروى أبو يعلى عن الأزهر بن راشد قال: حدث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تستضيئوا بنار المشركين) قال ابن كثير: معناه لا تقاربوهم في المنازل بحيث تكون معهم في بلادهم، بل تباعدوا منهم، وهاجروا من بلادهم ولهذا روى أبو داود (لا تتراءى ناراهما) وفي الحديث الآخر: (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله) .

وقال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا} .

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم بفعل بعض، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} .

وقال الضحاك: نزلت في أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجوا مع المشركين يوم بدر فأصيبوا. ذكره ابن كثير.

ثم قال: فهذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو مرتكب حراما، بالإجماع وبنص الآية. إلى آخر كلامه الذي تقدم قريبا.

وفي أجوبة آل الشيخ لما سئلوا: هل يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفار، لأجل التجارة، أم لا؟

الجواب:

إن كان يقدر على إظهار دينه، ولا يوالي المشركين، جاز له ذلك، فقد سافر بعض الصحابة كأبي بكر رضي الله عنه، وغيره فلم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه أحمد في مسنده وغيره.

وإن كان لا يقدر على إظهار دينه، ولا على عدم موالاتهم، لم يجز السفر له إلى ديارهم، كما نص على ذلك العلماء، وعليه تحمل الأحاديث التي تدل على النهي عن ذلك. ولأن الله تعالى أوجب على الإنسان العمل بالتوحيد، وفرض عليه عداوة المشركين، فما كان ذريعة وسبب إلى إسقاط ذلك لم يجز.

وأيضا فقد يجره ذلك إلى موافقتهم وإرضائهم كما هو الواقع لكثير ممن يسافر إلى بلدان المشركين من فساق المسلمين.

المسألة الثانية: هل يجوز للإنسان أن يجلس في بلد الكفار، وشعائر الشرك ظاهرة لأجل التجارة أم لا؟

الجواب:

عن هذه المسألة والجواب عن التي قبلها سواء ولا فرق في ذلك بين دار الحرب ودار الصلح، فكل بلد لا يقدر المسلم على إظهار دينه فيها لا يجوز له السفر إليها.

المسألة الثالثة: هل يفرق بين المدة القريبة مثل شهر أو شهرين وبين المدة البعيدة؟

الجواب:

أنه لا فرق بين المدة القريبة والبعيدة، فكل بلد لا يقدر على إظهار دينه فيها ولا على عدم موالاة المشركين لا يجوز له المقام فيها ولا يوما واحدا، إذا كان يقدر على الخروج منها. اهـ.

وفي أجوبة أخرى: وما قولكم في رجل دخل هذا الدين وأحبه ويحب من دخل فيه، ويبغض الشرك وأهله ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة أهل الإسلام ويقاتلون أهله، ويعتذر بأن ترك الوطن ولم يهاجر عنهم بهذه الأعذار، فهل يكون مسلما هذا أم كافرا؟

الجواب:

أما الرجل الذي عرف التوحيد وآمن به وأحبه وأحب أهله، وعرف الشرك وأبغضه وأبغض أهله، ولكن أهل بلده على الكفر والشرك، ولم يهاجر فهذا فيه تفصيل: فإن كان يقدر على إظهار دينه عندهم، ويتبرأ منهم ومما هم عليه من الدين، ويظهر لهم كفرهم وعداوته لهم، ولا يفتنونه عن دينه لأجل عشيرته أو ماله أو غير ذلك فهذا لا يحكم بكفره، ولكنه إذا قدر على الهجرة ولم يهاجر ومات بين أظهر المشركين، فنخاف أن يكون قد دخل في أهل هذه الآية: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} فلم يعذر الله إلا من لم يستطع حيلة، ولا يهتدي سبيلا، ولكن قل أن يوجد اليوم من هو كذلك، بل الغالب أن المشركين لا يدعونه بين أظهرهم بل إما قتلوه وإما أخرجوه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام