الصفحة 10 من 25

فإذا كان من أطاع الأحبار وهم العلماء، والرهبان وهم العبَّاد في ذلك، فقد اتخذهم أربابا من دون الله، فمن أطاع الجهال والفساق في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله، بل ذلك أولى وأحرى.

الأمر الثالث: ترك الركون إلى الكفرة الظالمين:

وقد نهى الله عن ذلك، فقال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} فنهى سبحانه وتعالى عن الركون إلى الظلمة، وتوعد على ذلك بمسيس النار وعدم النصر، والشرك هو أعظم أنواع الظلم، كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} فمن ركن إلى أهل الشرك، أي: مال إليهم أو رضي بشيء من أعمالهم، فإنه مستحق لأن يعذبه الله بالنار، وأن يخذله في الدنيا والآخرة.

وقال تعالى: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا} فأخبر سبحانه وتعالى: أنه لولا تثبيته لرسوله صلى الله عليه وسلم، لركن إلى المشركين شيئا قليلا، وأنه لو ركن إليهم لأذاقه عذاب الدنيا والآخرة مضاعفا، ولكن الله ثبته فلم يركن إليهم، بل عاداهم وقطع اليد منهم.

ولكن إذا كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته، فغيره أولى بلحوق هذا الوعيد به.

الأمر الرابع: ترك موادة أعداء الله:

قال الله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} .

قال شيخ الإسلام: فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرا، فمن واد الكفار فليس بمؤمن. اهـ.

قلت: فإذا كان الله تعالى قد نفى الإيمان عمن واد أباه وأخاه وعشيرته إذا كانوا محادّين الله ورسوله، فمن واد الكفار الأبعدين عنه، فهو أولى بأن لا يكون مؤمنا.

الأمر الخامس: ترك التشبه بالكفار في الأفعال الظاهرة:

لأنها تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.

وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى أن الرجلين إذا كانا من بلد واحد ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما، لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين، وذلك لأن الإشتراك نوع وصف اختصا به عن بلد الغربة، بل لو اجتمع رجلان في سفر أو بلد غربة، فكانت بينهم مشابهة في العمامة أو الثياب، أو الشعر أو المركب، ونحو ذلك، لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية: يألف بعضهم ببعض مالا يألفون غيرهم، حتى أن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة: إما على الملك، وإما على الدين، وتجد الملوك ونحوهم من الرؤساء، وإن تباعدت ديارهم وممالكهم، بينهم مناسبة تورث مشابهة وحماية من بعضهم لبعض، وهذا كله موجب الطباع ومقتضاها، إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص.

فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة لهم، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟! فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

قلت: فإذا كانت مشابهة الكفار في الأفعال الظاهرة، إنما نُهي عنها لأنها وسيلة وسبب يفضي إلى موالاتهم ومحبتهم، فالنهي عن هذه الغاية والمحذور أشد، والمنع منه وتحريمه أوكد، وهذا هو المطلوب.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام