الصفحة 5 من 25

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} فنهى سبحانه وتعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود والنصارى، وذكر أن من تولاهم فهو منهم، أي من تولى اليهود فهو يهودي، ومن تولى النصارى فهو نصراني.

وقد روى ابن أبي حاتم، عن محمد بن سيرين، قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا، وهو لا يشعر، قال: فظنناه يريد هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء} ، إلى قوله: {فإنه منهم} وكذلك من تولى الترك، فهو تركي، ومن يتولى الأعاجم فهو عجمي، فلا فرق بين من تولى أهل الكتابين أو غيرهم من الكفار.

ثم أخبر تعالى: أن الذين في قلوبهم مرض أي: شك في الدين وشبهة يسارعون في الكفار قائلين: {نخشى أن تصيبنا دائرة} أي: إذا أنكرت عليهم موالاة الكافرين، قالوا: نخشى أن تكون الدولةُ لهم في المستقبل فيتسلطوا علينا، فيأخذوا أموالنا ويشردونا من بلداننا. وهذا هو ظن السوء بالله، الذي قال الله فيه: {الظآنين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا} .

ولهذا قال تعالى في الآية: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} وعسى: من الله واجب.

فالحمد لله الذي أتى بالفتح، فأصبح أهل الظنون الفاسدة على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} فنهى سبحانه المؤمنين عن موالاة أهل الكتابين وغيرهم من الكفار، وبين أن موالاتهم تنافي الإيمان.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هو الظالمون. قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانُكم وأزواجُكم وعشيرتُكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} .

فنهى سبحانه وتعالى المؤمن عن موالاة أبيه وأخيه اللذين هما أقرب الناس إليه إذا كان دينهما على غير الإيمان، وبين أن الذي يتولى أباه وأخاه إذا كانا كافرين فهو ظالم، فكيف بمن تولى الكافرين الذين هم أعداء له ولآبائه ولدينه؟! بلى والله إنه لمن أظلم الظالمين.

ثم بيّن تعالى أن هذه الثمانية لا تكون عذراً في موالاة الكافرين، فليس لأحد أن يواليهم خوفاً: على أبيه، أو أخيه، أو بلاده، أو ماله، أو مشحة بعشيرته، أو مخافة على زوجاته، فإن الله قد سد على الخلق باب الاعتذار بهذه الثمانية، وذلك أن ما من أحد يوالي المشركين إلا وهو يعتذر بها أو ببعضها، وقد بان أن هذا ليس بعذر.

فإن قيل: قد قال كثير من المفسرين: أن هذه الآية نزلت في شأن الجهاد.

فالجواب من وجهين:

أحدهما أن نقول: إذا كانت هذه الثمانية ليست عذرا في ترك الجهاد الذي هو فرض على الكفاية، فكونها لا تكون عذرا في ترك عداوة المشركين ومقاطعتهم، بطريق الأولى.

الوجه الثاني: أن الآية نفسها دلت على ما ذكرناه، كما دلت على الجهاد، فإنه قال: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله} فإن محبة الله ورسوله توجب إيثار عداوة المشركين ومقاطعتهم على هذه الثمانية، وتقديمها عليها، كما أن محبة الجهاد توجب إيثاره عليها، وبالله التوفيق.

وهذا إذا سمعه المنصف يكون عنده ظاهرا، وأما من أعمى الله بصيرته بسبب تعصبه، فكما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} .

وقال تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} ثم قال: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فأخبر أن الكفار إذا لم يوال بعضهم بعضا بأن ينحازوا عن المسلمين، ويقطع المسلمون أيديهم منهم، وإلا وقعت الفتنة والفساد الكبير.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام