الصفحة 3 من 25

ونزلت فتنة تركت الحليم فيها حيرانا، وأنزلت الرجل الصاحي منزلة السكران، وتركت الرجل اللبيب، لكثرة الوساوس ليس بالنائم ولا اليقظان، وتناكرت فيها قلوب المعارف والإخوان، حتى أن في الرجل بنفسه شغل عن أن يغيث اللهفان، وميّز الله فيها أهل البصائر والإيقان من الذين في قلوبهم مرض أو نفاق أو ضعف إيمان.

ورفع بها أقواما إلى الدرجات العالية، كما خفض بها أقواما إلى المنازل الهاوية وكفّر بها عن آخرين أعمالهم الخاطئة، وحدث من أنواع البلوى ما جعلها مختصرة من القيامة الكبرى.

فإن الناس تفرقوا فيها ما بين شقي وسعيد، كما يتفرقون كذلك في اليوم الموعود، ولم ينفع المنفعة الخالصة إلا الإيمان والعمل الصالح، والبر والتقوى، وبليت فيها السرائر، وظهرت الخبايا التي كانت تكنها الضمائر، وتبين أن البهرج من الأقوال والأعمال يخون صاحبه أحوج ما كان إليه في المآل، وذم سادته وكبراءه من أطاعهم فأضلوه السبيل، كما حمد ربه من صدق في إيمانه فاتخذ مع الرسول سبيلا. وبان صدق ما جاءت به الأخبار النبوية من الإخبار بما يكون، وواطأتها قلوب الذين هم في هذه الأمة محدثون أي: ملهمون كما تواطأت عليها المبشرات التي رآها المؤمنون.

وتبين فيها الطائفة المنصورة الظاهرة، الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة، حيث تحزب الناس ثلاثة أحزاب:

حزب مجتهد في نصرة الدين، وآخر خاذل له، وآخر خارج عن شريعة الإسلام.

وانقسم الناس بين مأجور ومعذور، وآخر قد غره بالله الغرور، وكان بهذا الامتحان تمييزاً من الله وتقسيما: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما} .

قلت: وما ذكره من الامتحان والافتتان، قد رأينا ما هو نظيره، أو أعظم منه في هذه الأزمان، وكذلك انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام: أحدها ناصر لدين الإسلام، وساع في ذلك بكل جهده، وهم القليلون عددا الأعظمون عند الله أجرا.

القسم الثاني: خاذل لأهل الإسلام، تارك لمعونتهم.

القسم الثالث: خارج عن شريعة الإسلام بمظاهرة حزب الشرك ومناصحتهم. وقد روى الطبراني، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعان صاحب باطل ليدحض بباطله حقا، فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام