الأمر الرابع عشر: التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير: كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات، وكما يحكم به التتار من السياسات المأخوذة عن جنكزخان، الذي وضع لهم كتابا مجموعا من أحكام اقتبسها من شرائع شتى، فصار في بنيه شرعا يقدمونه على الحكم بالكتاب والسنة. ومن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يؤمنون} .
قلت: ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم، من تحكيم عادات آباءهم، وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يسمونها (شرع الرفاقة) يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله، فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله، فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة.
وهذا هو الكفر، فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون.
فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله، فهم كفار. انتهى. من (منهاج السنة النبوية) ذكره عند قوله سبحانه وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} فرحمه الله وعفا عنه.
فهذه بعض المواضع التي دل القرآن عليها، وإن كان قد يقال: إن بعضها يغني عن بعض، أو يندرج فيه. فذكرها على هذا الوجه أوضح، وأما كلام العلماء رحمهم الله فكثير جدا، وقد ذكر صاحب الإقناع أشياء كثيرة في باب حكم المرتد وهو الذي يكفر بعد إسلامه وقد لخصت منه مواضع يسيرة.
فمن ذلك، قوله: قال الشيخ: أو كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به، كفر اتفاقا. ومنها قوله: أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويسألهم كفر إجماعا. ومنها قوله: أو وجد منه امتهان للقرآن، أي: فيكفر بذلك. ومنها قوله: أو سخر بوعد الله، أو بوعيده، أي: فيكفر بذلك. ومنها قوله: أو لم يكفر من دان بغير الإسلام، أو شك في كفرهم، أي: فيكفر بذلك. ومنها قوله: قال الشيخ: ومن استحل الحشيشة كفر بلا نزاع.
قلت: ومن استحل موالاة المشركين ومظاهرتهم وإعانتهم على المسلمين، فكفره أعظم من كفر هذا، لأن تحريم ذلك آكد وأشد من تحريم الحشيشة.
ومنها قوله: من سب الصحابة أو أحدا منهم، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي وأن جبرائيل غلط، فلا شك في كفر هذا، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره. ومنها قوله: أو زعم أن للقرآن تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة، ونحو ذلك، فلا خلاف في كفر هؤلاء، ومنها قوله: أو زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون إلا بضعة عشر، أو أنهم فسقوا، فلا ريب أيضا في كفر قائل ذلك، بل من شك في كفره فهو كافر. انتهى ملخصا، وعزاه للصارم المسلول.
ومنها قوله: ومن أنكر أن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر، لقوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه} .
قلت: فإذا كان من جحد مدلول آية (كفر) ولم تنفعه الشهادتان، ولا الانتساب إلى الإسلام، فما الظن بمن جحد مدلول ثلاثين آية أو أربعين آية! أفلا يكون كافرا لا تنفعه الشهادتان ولا ادعاء الإسلام! بلى والله، بلى والله.
ولكن نعوذ بالله من رين القلوب، وهوى النفوس اللذين يصدان عن معرفة الحق واتباعه.
ومنها قوله: أو جحد حل الخبز واللحم والماء، أي: فيكفر بذلك، ومنها قوله: أو أحل الزنا ونحوه، أي: فيكفر بذلك.
قلت: ومن أحل الركون إلى الكافرين، وموادة المشركين فهو أعظم كفرا ممن أحل الزنا بأضعاف مضاعفة.