وكذلك قوله في الحديث: (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله) على ظاهره: وهو أن الذي يدعي الإسلام، ويكون مع المشركين في الاجتماع والنصرة، والمنزل معهم بحيث يعده المشركون منهم، فهو كافر مثلهم وإن أدعى الإسلام، إلا إن كان يظهر دينه، ولا يتولى المشركين. اهـ.
قلت: ويأتي مخاطبة خالد لمجاعة، وفيه: يا مجاعة! تركت اليوم ما كنت عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب، وسكوتك عنه إقرارا له. إلى آخره.
وتقدم قول عبد الله ابن عمر: من بنى ببلاد المشركين، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت، حشر معهم يوم القيامة.
وقال تعالى: {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين} .
الأمر الخامس: الاستهزاء بالله، أو بكتابه، أو برسوله والدليل على ذلك، قوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} .
واعلم أن الاستهزاء على نوعين:
أحدهما: الاستهزاء الصريح؛ كالذي نزلت الآية فيه، وهو قولهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء. ونحو ذلك من أقوال المستهزئين، كقول بعضهم: دينكم هذا دين حامض. وقول الآخر دينكم حرق. وقول الآخر إذا رأى الآمرين بالمعروف أو الناهين عن المنكر جاءكم أهل الديك. بالكاف بدل النون، وقول الآخر إذا رأى طلبة العلم: هؤلاء الطلبة بسكون اللام وما أشبه ذلك، مما لا يحصى إلا بكلفة مما هو أعظم من قول الذين نزلت فيهم الآية.
النوع الثاني: غير الصريح؛ وهو البحر الذي لا ساحل له، مثل الرمز بالعين، وإخراج اللسان ومد الشفة، والغمز باليد عند تلاوة كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأمر السادس: ظهور الكراهة والغضب عند الدعوة إلى الله، وتلاوة آياته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وإذ تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير} فذكر كفر هذا الصنف في أول الآية وآخرها.
الأمر السابع: كراهة ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة، والدليل قول الله تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} .
الأمر الثامن: عدم الإقرار بما دلت عليه آيات القرآن، والأحاديث، والمجادلة في ذلك، والدليل على ذلك قوله الله تعالى: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد} .
الأمر التاسع: جحد شيء من كتاب الله، ولو آية أو بعضها، أو شيئا مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} وهذا أخص من الذي قبله.
الأمر العاشر: الإعراض عن تعلم دين الله والغفلة عن ذلك والدليل قول الله تعالى: {والذين كفروا عما أنذروا معرضون} .
الأمر الحادي عشر: كراهة إقامة الدين والاجتماع عليه. والدليل على ذلك قول الله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} فذكر أنه لا يكره إقامة الدين إلا مشرك، وقد تبين أن من أشرك بالله فهو كافر.
الأمر الثاني عشر: السحر تعلمه وتعليمه، والعمل بموجبه والدليل على ذلك قوله تعالى: {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} .
الأمر الثالث عشر: إنكار البعث، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} .