الصفحة 17 من 25

وذكر الفقيه سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة، عشرين آية من كتاب الله، وحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استدل بها على أن المسلم إذا أظهر الطاعة والموافقة للمشركين من غير إكراه، إنه يكون بذلك مرتدا خارجا من الإسلام، وإن كان يشهد أن لا إله إلا الله، ويفعل الأركان الخمسة، فإن ذلك لا ينفعه.

وقال شيخ الإسلام المذكور، إمام هذه الدعوة الحنيفية في كلامه على آخر سورة الزمر: الثانية، أن المسلم إذا أطاع من أشار عليه في الظاهر، كفر، ولو وكان باطنه يعتقد الإيمان، فإنهم لم يريدوا من النبي صلى الله عليه وسلم تغيير عقيدته.

ففيه بيان لما يكثر وقوعه ممن ينتسب إلى الإسلام في إظهار الموافقة للمشركين خوفا منهم، ويظن أنه لا يكفر إذا كان قلبه كارها، إلى أن قال: الثالثة، أن الذي يكفر به المسلم، ليس هو عقيدة القلب خاصة، فإن هؤلاء الذين ذكرهم الله، لم يريدوا منه صلى الله عليه وسلم تغيير عقيدته، كما تقدم، بل إذا أطاع المسلم من أشار إليه بموافقتهم، لأجل ماله، أو بلده، أو أهله، مع كونه يعرف كفرهم ويبغضهم، فهذا كافر، إلا من أكره.

إلى أن قال رحمه الله: ولكن رحم الله من تنبه لسر الكلام، وهو المعنى الذي نزلت فيه هذه الآيات من كون المسلم يوافقهم في شيء من دينهم الظاهر، مع كون القلب بخلاف ذلك، فإن هذا هو الذي أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم فافهمه فهما حسنا، لعلك تعرف شيئا من دين إبراهيم عليه السلام، الذي بادأ أباه وقومه بالعداوة عنده.

وقال في سورة الكهف: التاسعة: المسألة العظيمة المشكلة على أكثر الناس أنه إذا وافقهم بلسانه مع كونه مؤمنا حقا، كارها لموافقتهم، فقد كذب في قوله لا إله إلا الله، واتخذ إلهين اثنين. وما أكثر الجهل بهذه، والتي قبلها.

العاشرة: أنه لو يصدر منهم أعني موافقة الحاكم فيما أراد من ظاهرهم، مع كراهتهم لذلك، فهو قوله: {شططا} والشطط: الكفر.

واعلم أن إظهار الموافقة والطاعة للمشركين، له أحوال ستأتي في المسألة الثالثة، إن شاء الله تعالى.

الأمر الثالث: مما يصير المسلم به مرتدا، موالاة المشركين، والدليل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} ، وقوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} .

فذكر في الآية الأولى: أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم، وظاهرها أن من تولاهم. فهو كافر مثلهم. ذكر معناه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وتقدم قول عبد الله بن عتبة عند قوله: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} ليتق أحكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر.

وقال ابن جرير في قوله تعالى: {فليس من الله في شيء} يعني: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، لارتداده عن دينه.

وأما قوله: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} فهي كقوله: {إلا من أكره} وسيأتي بيان ذلك، إن شاء الله تعالى.

الأمر الرابع: الجلوس عند المشركين في مجالس شركهم، من غير إنكار، والدليل قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} .

وفي أجوبة آل الشيخ رحمهم الله تعالى لما سئلوا عن هذه الآية وعن قوله صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله) ؟

قالوا: الجواب أن الآية على ظاهرها، وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها، فجلس عند الكافرين المستهزئين بآيات الله، من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، فهو كافر مثلهم، وإن لم يفعل فعلهم، لأن ذلك يتضمن الرضى بالكفر، والرضى بالكفر كفر.

وبهذه الآية ونحوها، استدل العلماء على أن الراضي بالذنب كفاعله، فإن أدعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يقبل منه، لأن الحكم بالظاهر، وهو قد أظهر الكفر، فيكون كافرا.

ولهذا لما وقعت الردة، وأدعى أناس أنهم كرهوا ذلك، لم يقبل منهم الصحابة ذلك بل جعلوهم كلهم مرتدين، إلا من أنكر بلسانه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام