الصفحة 75 من 101

و يشترط في هذا الإكراه ما يلي [1] :

-أن يكون الآمر قادرا على إيقاع ما هدّد به، و المأمور عاجز عن دفعه عن نفسه.

-أن يغلب على ظنّ المكره وقوع ما هدد به إذا إمتنع.

-أن يكون ما هدّد به فوريا أو قريبا.

-أن لا يظهر من المكره إختيار أو رضا بهذا الفعل.

أمّا الخوف ممّا يهدّد به بعضهم من قطع راتب، أو طرد من الوظيفة، أو مصادرة بعض حظوظ دنياهم، فهذا ليس بمانع من موانع التكفير و لا يعذر به من دفعه ذلك إلى الكفر بربّ العالمين.

قال شيخ الإسلام: تأمّلت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف بإختلاف المكره، فليس المعتبر في كلمات الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة و نحوها، فإنّ أحمد قد نصّ في غير موضع على أنّ الإكراه على الكفر لا يكون إلاّ بالتعذيب من ضرب أو قَيْد، و لا يكون الكلام إكراها، و قد نصّ على أنّ إمرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه فلها أن ترجع على أنّها لا تهب له إلاّ إذا خافت أن يطلّقها أو يسيء عشرتها، فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها، و مثل هذا لا يكون إكراها على الكفر، فإنّ الأسير إن خشي الكفار أن لا يزوّجوه أو أن يحولوا بينه و بين إمرأته لم يبح له التكلّم بكلمة الكفر. إنتهى

قال [2] العلاّمة حمد بن علي بن عتيق النجديّ معلّقا على كلام شيخ الإسلام: و المقصود منه أنّ الإكراه على كلمة الكفر لا يكون إلاّ بالتعذيب من ضرب أو قتل، و أنّ الكلام لا يكون إكراها، و كذلك الخوف من أن يحول الكفار بينه و بين زوجه لا يكون إكراها، فإذا علمت ذلك وعرفت ما وقع من كثير من النّاس تبيّن لك قول النبيّ صلّى الله عليه و سلّم:"بدأ الإسلام غريبا و سيعود غريبا كما بدأ"و قد عاد غريبا، و أغرب منه من يعرفه على الحقيقة، و بالله التوفيق. إنتهى

و من خلال كلام شيخ الإسلام و تعليق العلاّمة إبن عتيق يتضح أنّه ثمّة فرق بين الإكراه على الكفر و بين غيره، و ذلك لعظم قبح الكفر، فلا يلجأ إليه المسلم إلاّ عند توفر شروط الإكراه الّّتي سبق و أن ذكرناها. [3]

(1) - فتح الباري 12/ 385

(2) - بيان النجاة و الفكاك من موالاة المرتدّين و أهل الإشراك

(3) - أمّا الإكراه على غير الكفر فقالوا كلّ شيء تبيحه الضرورة فإنّ الإكراه يبيحه، و من لا تبيحه الضرورة فإنّ الإكراه لا يبيحه.

و من أكره على قطع يده أو قتل نفسه أو قتل غيره لا يجوز له أن يقدم إلى هذه الأفعال.

و من أكره على الزنا فالعلماء فرّقوا بين الرجل و المرأة، أما المرأة فلا حدّ عليها في قول عامّة أهل العلم؛ و أما الرجل فوقع الخلاف بين العلماء فذهب الحنابلة إلى أنّ عليه الحدّ، و ذهب المالكية إلى أنّه لا حدّ عليه، كما في أحكام القرآن (3/ 122) ، تفسير القرطبي (10/ 182) ، و أمّا الشافعية فلهم قولان كالأحناف، قال إبن المنذر و هو من كبار علماء الشافعية أنّه لا حدّ عليه كما في كتابه الأشراف على المذاهب العلماء (2/ 143) .

أمّا من أكره على الإسلام فأسلم صحّ إسلامه، فإن رجع إلى الكفر قُتل قتل ردّة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام