القسم الأوّل"شروط في الفاعل"
أمّا القسم الأوّل شروط في الفاعل:
-أن يكون مكلّفا وهو أن يكون بالغا عاقلا ويقابله العوارض الغير الكسبية كالصغر والجنون و العته، فهذه العوارض ترفع الإثم والعقوبات عند صاحبها لإرتفاع خطاب التكليف عنه بها، وإنّما يؤاخذ بحقوق العباد، كقيم المتلفات والديات ونحوها لأنّه من خطاب الوضع.
-أن يكون متعمدا قاصدا لفعله ويقابلها العوارض المكتسبة.
ومن هذه العوارض المكتسبة:
\. الخطأ كسبق اللّسان فينطق بالكفر وهو لا يقصد الكلمة و لا أقول لا يقصد الكفر، ودليله قوله تعالى:
"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم"الأحزاب [50]
وما رواه مسلم في الرجل الذي أضل راحلته في أرض قفر فلمّا وجدها قال:
"اللّهم أنت عبدي وأنا ربّك"أخطأ من شدّة الفرح كما قال عليه الصلاة والسلام.
\. قول الكفر على سبيل الحكاية عن الغير كنقل مقالات الكفار لبيان ما فيها من الفساد والرّدّ عليها، ولهذا يقال"ناقل الكفر ليس بكافر"بخلاف من حكاه ونقله على سبيل النشر والإشاعة و على سبيل الإستحسان والتأييد.
قال [1] الإمام إبن حزم: إِنَّ الإقرار باللّسان دون عقد القلب لا حُكْمَ له عند الله عزَّ وجلَّ لأَنَّ أحدنا يلفظ بالكفر حاكياً وقارئاً له في القرآن فلا يكونُ بذلك كافراً حتى يقرَّ أَنَّه عقده. إنتهى
قال أبو محمد ابن حزم: فإن إحتجَّ بهذا أهلُ المقالة الأولى - يعني المرجئة- وقالوا هذا يشهد بأَنَّ الإعلان بالكفر ليس كفراً. قلنا له - وبالله التوفيق: قد قلنا إِنَّ التسمية ليست لنا وإِنَّما هي لله تعالى فلمَّا أمرنا تعالى بتلاوة القرآن وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر وأخبرنا تعالى أَنَّه لا يرضى لعباده الكفر خرج القاريءُ للقرآن بذلك عن الكفر إلى رِضا الله عزَّ وجل والإيمان بحكايته ما نصَّ الله تعالى بأداء الشهادة بالحقِّ فقال تعالى:"إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلمُون" [2] . خرج الشاهد المُخْبِر عن الكافر بكفره عن أَنْ يكون بذلك كافراً إلى رِضا الله عزَّ وجل والإيمان
(1) - الفصل في الملل و النحل (3/ 249 - 250) .
(2) - سورة الزخرف: 86.