الصفحة 66 من 101

ولمّا قال تعالى:"إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا" [1] . خرج من ثبت إِكراهُه عن أَنْ يكون بإظهار الكفر كافراً إلى رخصةِ الله تعالى والثَّبات على الإيمان، وبقي من أظهر الكفر: لا قارئاً ولا شاهداً، ولا حاكياً ولا مكرهاً على وجوب الكفر له بإجماع الأمَّة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وبنصِّ القرآن على من قال كلمة الكفر إِنَّه كافرٌ، وليس قول الله عزَّ وجل:"ولكِنْ مَنْ شَرَحَ بالكُفْرِ صَدْرَاً". على ما ظنُّوه من إعتقاد الكفر فقط، بل كلُّ من نطق بالكلام الذي يُحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً فقد شرح بالكفر صدراً؛ بمعنى أَنَّه شرح صدره لقبولِ الكفر المحرَّم على أهل الإسلام وعلى أهل الكفر أَنْ يقولوه وسواءً إعتقدوه أو لم يعتقدوه، لأَنَّ هذا العمل من إعلان الكفر على غير الوجوه المباحة في إيرادِه وهو شرحُ الصدرِ به، فبطل تمويههم بهذه الآية وبالله تعالى التوفيق. إنتهى

تنبيه: قال [2] العلامة أبو بطين: وقد صرَّح الفقهاء في كتبهم، بأَنَّ من تكلَّم بكلمة الكفرِ، يكفرُ، وإنْ لم يقصدْ معناها، فمرادهم بذلك: أنَّ من يتكلَّم بكلام كفرٍ، مازحاً أو هازلاً، وهو عبارة كثير منهم، في قولهم: من أتى بقولٍ، أو فعلٍ صريح في الإستهزاء بالدِّين، وإِنْ كان مازحاً، لقوله تعالى:"وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ".إنتهى

\. ومن ذلك أن يتكلّم الإنسان بكلام أو ينطق لفظا لا يعرف معناه فإنّه لا يؤاخذ بذلك حتّى يعرف فيتكلّم به قاصدا معناه.

قال إبن القيم في الإعلام: لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر. إنتهى

وعقد العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام فصل فيمن أطلق لفظا لا يعرف معناه لم يؤاخذ بمقتضاه.

ولا يدخل في هذا ما يثيره مرجئة العصر من إشتراط قصد الكفر، فيلزم من هذه المقالة الخبيثة عدم تكفير حتّى اليهود والنصارى وعباد الأصنام إذ لا أحد منهم قصد الكفر بل يرمون غيرهم بالكفر.

وعلى هذا قال [3] شيخ الإسلام: وبالجملة فمن قال وفعل ما هو كفر، كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد إلّا ما شاء الله. إنتهى

وقال إبن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى:"قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا"الآية"وهذا من أدلّ الدلائل على خطأ من زعم أنّه لا يكفر بالله أحد إلّا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم"

(1) - سورة النحل: 106.

(2) - درر السنيّة (10/ 419)

(3) - الصارم المسلول {177}

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام