فضابط مسألة العذر بالجهل ضابطان بيّنهما شيخ الإسلام، حيث قال [1] : الحجة على العباد إنّما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل، فأمّا العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي. إنتهى.
فمن بلغه القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان مكلّفا متمكنا من العلم أي بالغا عاقلا قادرا على السؤال وسماع الجواب، ولا يحتاج إلى ترجمان كالأعجمي أو الأصم الأبكم الذي لا يهتدي إلى معرفة الحق فقد قامت عليه الحجة، قال تعالى:"وما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم فيضل الله من يشاء و يهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم"
و ما يجب مراعاته كذلك في مسألة الجهل: نوعية المسألة بين أن تكون خفية أو ظاهرة، وليس ثمّة ضابطا لمعرفة ذلك إذ يختلف هو الآخر على حسب الحال و الزمان والمكان.
قال [2] الشيخ محمد بن عبد الوهاب: إنّ الشخص المعين إذا قال ما يوجب الكفر فلا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس، وأمّا ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدّين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفّر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجّة. إنتهى.
قال [3] أبو بطين: فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا لجهله فمن الذي لا يعذر؟، ولازم هذه الدعوة أنّه ليس لله حجة على أحد إلاّ المعاند مع أنّ صاحب هذه الدعوة لا يمكنه طرد أصله بل لا بدّ أن يتناقض فإنّه لا يمكن أن يتوقف في من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدّين، والشاك جاهل - وقال- ولازم هذا أن لا نكفر جهلة اليهود والنصارى والذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم، ولا الذين حرّقهم علي بن أبي طالب بالنار لأنّا نقطع أنّهم جهال وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحن نتيقّن أنّ أكثرهم جهال. إنتهى
و على هذا قال [4] الشيخ إبن باز: من عُرف بدعاء الأموات و الإستغاثة بهم و النذر لهم و نحو ذلك من أنواع العبادة فهو مشرك كافر لا يجوز مناكحته و لا دخوله المسجد الحرام و لا معاملته معاملة المسلمين و لو إدّعى الجهل حتّى يتوب إلى الله من ذلك - إلى أن قال - و لا يلتفت إلى كونهم جهالا
(1) - المجموع {20/ 59} ، و أنظر إنجاح حاجة السائل للشيخ أحمد الخالدي {18} .
(2) - الدرر السنية {8/ 244} بواسطة نواقض الإيمان.
(3) - الدرر 12/ 69 - 74، وأيضا 10/ 365
(4) - تحفة الإخوان، ص: 37 - 38