الصفحة 71 من 101

قال [1] أبو عبد الله البقوري: لم يعذره بالجهل مطلقا، بل لا يعذر في بعض الجهالات، و يُسمح في بعضها، و ضابط ما يعفى عنه ممّا لا يعفى عنه، هو أنّ ما يتعذّر الإحتراز منه عادة فهو معفوّ عنه، و ما لا يتعذّر الإحتراز عنه عادة و لا يشقّ فهو غير معفوّ عنه. إنتهى

و الجهل كان مانعا من التكفير لأنّ الإيمان متعلق بالعلم.

ولكن"من المهم أن يعلم أنّ العذر بالجهل تكتنفه وتتعلق به عدّة أمور، منها نوعية المسألة المجهولة، كأن تكون من مسائل الخفية، وكذلك حال الجاهل كحديث عهد بالإسلام أو الناشئ في البادية، ومن حيث حال البيئة، ففرق بين وجود مظنة العلم أو عدمه" [2] .

قال [3] الشيخ إبن باز رحمه الله وقد سئل: هل يعذر المسلم إذا فعل شيئا من الشرك كالذبح و النذر لغير الله جهلا؟

أجاب رحمه الله تعالى: الأمور قسمان: قسم يعذر فيه بالجهل، وقسم لا يعذر فيه بالجهل، فإذا كان من أتى ذلك بين مسلمين، وأتى الشرك بالله، وعبد غير الله، فإنّه لا يعذر لأنّه مقصر لم يسأل، ولم يتبصر في دينه، فيكون غير معذور في عبادته غير الله من أموات أو أشجار أو أحجار أو أصنام لإعراضه و غفلته عن دينه كما قال سبحانه:"والذين كفروا عمّا أنذروا معرضون"، ولأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا استأذن ربّه أن يستغفر لأمّه لأنّها ماتت في الجاهلية لم يؤذن له ليستغفر لها، لأنّها ماتت على دين قومها عبّاد الأوثان، ولأنّه صلى الله عليه وسلم قال لشخص سأله عن أبيه قال: هو في النّار، فلمّا رأى ما في وجهه: قال: إنّ أبي و أباك في النّار، لأنّه مات على الشرك بالله، وعلى عبادة غير الله سبحانه، فكيف بالذي بين المسلمين وهو يعبد البدوي، أو يعبد الحسين، أو يعبد الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو يعبد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يعبد عليّا رضي الله عليه، فهؤلاء و أشباههم لا يعذرون من باب أولى، لأنّهم أتوا الشرك الأكبر وهم بين المسلمين، والقرآن بين أيديهم، وهكذا سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم موجودة بينهم، ولكنّهم عن ذلك معرضون.

والقسم الثاني: من يعذر بالجهل كالذي نشأ في بلاد بعيدة عن الإسلام في أطراف الدنيا، أو لأسباب أخرى كأهل الفترة [4] ونحوهم ممن لم تبلغهم الرّسالة، فهؤلاء معذرون بجهلهم، وأمرهم إلى الله تعالى، والصحيح أنّهم يمتحنون يوم القيامة فيؤمرون، فإن أجابوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار لقوله تعالى:"وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا"والأحاديث الصحيحة وردت في ذلك. إنتهى.

(1) - ترتيب فروق القرافي (ص: 563)

(2) - نواقض الإيمان {22} .

(3) - مجوع الفتاوى والمقالات {4/ 26}

(4) - سيأتي الكلام على أهل الفترة بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام