فهذه المسألة أعني حدّ الكفر، علاقة عكسية على تعريف الإيمان فالذين إنحرفوا في تحديد معنى الكفر كان نتيجة إنحرافهم في تعريف وضبط معنى الإيمان فالذين جعلوا الإيمان هو التصديق حصروا الكفر في الجحود والتكذيب القلبي وأمّا الذين جعلوا الإيمان هو التصديق والنطق أضافوا على غيرهم أنه من الكفر مالم يقر بلسانه وهذا ذكره اللقاني في شرحه على جوهرة التوحيد وقد مضى.
أمّا الذين قالوا الإيمان قول وعمل، قالوا كذلك أن الكفر قد يكون بالقول والعمل.
وأقصد قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح
وعجبا بعد ذلك أن بعضهم يقر بأنّ الإيمان قول وعمل أي قول القلب وقول اللسان وعمل القلب و عمل الجوارح، ثمّ في مسألة التكفير يقولون كقول الأشاعرة أنّ الكفر لا يكون إلاّ بإعتقاد وأمّا الكفر بالقول أو الأعمال فلا يكون كفرا بذاته إلّا إذا كان بجحود أو إنكار أو تكذيب وهذا عينه ما تقوله الأشاعرة.
قال [1] الكوثري: ولمّا كان العمل شرط كمال عند المرجئة فقد ذهبوا إلى أنّ الكفر لا يكون إلاّ بالجحد والتكذيب ولا يكون بالأعمال مطلقا، وإن كان سجودا للأصنام وإنّما يكون علامة على الكفر لأنّ الكفر عندهم ينحصر في التكذيب فيكون مرجعه القلب فقط. إنتهى
قال عبد القادر البغدادي - وهو من كبار الأشاعرة - في كتابه أصول الدين: والسجود للشمس أو للصنم أو ما جرى ذلك من علامات الكفر وإن لم يكن في نفسه كفرا إذا لم يضامه عمد القلب على الكفر به. إنتهى.
وقال [2] الكوثري: ثمّ إن المؤمن لا يخرج من الإيمان مهما كبر ذنبه إلّا بطروء خلل في عقيدته عند أهل الحق. إنتهى. وأهل الحق عند الكوثري هم الأشاعرة.
وقال [3] محمد العلوي المالكي: أنّه لا يكفر المستغيث إلّا إذا إعتقد الخلق والإيجاد لغير الله. إنتهى.
ولهذا لمّا قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته: ولا يخرج العبد من الملة إلّا بجحود ما أدخله فيه. [4]
(1) - تأنيب الخطيب {76}
(2) - نفس المصدر، ص: 64
(3) - مفاهيم يجب أن تصحح {15}
(4) - و على نحو ما قاله أبو جعفر الطحاوي، قال الشيخ الألباني في رسالته حكم تارك الصّلاة قال (ص: 61) : فإنّ تكفير المسلم الموحّد بعمل يصدر منه غير جائز حتّى يتبيّن منه أنّه جاحد، و لو لبعض ما شرع الله. إنتهى