الصفحة 32 من 101

و قال [1] : الإيمان أو النفاق أصله في القلب، وإنّما الذي يظهر من القول والفعل فرعٌ ودليل عليه؛ فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه، فلمّا أخبر سبحانه أنّ الذين يلمزون النبيّ صلى الله عليه وسلم والّذين يؤذونه من المنافقين ثبت أنّ ذلك دليل على النفاق وفرعٌ له، ومعلوم أنّه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصله المدلول عليه، فثبت أنّه حيثما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً، سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حدث له النفاق بهذا القول ا- هـ.

و قال [2] في كلام ماتع: و فصل الخطاب في هذا الباب أنّ إسم الإيمان قد يُذكر مجرّدا، و قد يُذكر مقرونا بالعمل أو بالإسلام؛ فإذا ذُكر مجرّدا تناول العمل كما في الصحيحين:"الإيمان بضع و ستون شعبة أو بضع و سبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلاّ الله، و ادناها إماطة الأذى عن الطريق".. ، و إذا ذُكر مع الإسلام كما في حديث جبريل أنّه سأل النبيّ عليه الصّلاة و السّلام عن الإيمان و الإسلام و الإحسان فرّق بينهما .. فلمّا ذكرهما جميعا ذكر انّ الإيمان في القلب و الإسلام ما يظهر من الأعمال.

و إذا أفرد الإيمان أدخل فيه الأعمال الظاهرة لأنّها من لوازم ما في القلب، لأنّه متى ثبت الإيمان في القلب، و التصديق بما اخبر به الرسول وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة، فإنّه ما أسرّ احد سريرة إلاّ أبداها الله على صفحات وجهه و فلتات لسانه، فإذا ثبت التصديق في القلب لم يتخلّف العمل بمقتضاه ألبتة، فلا تستقرّ معرفة تامّة و محبّة صحيحة و لا يكون لها أثر في الظاهر؛ و لهذا ينفي الله الإيمان عمن إنتفت لوازمه، فإنّ إنتفاء اللازم يقتضي إنتفاء الملزوم، كقوله:"و لو كانوا يؤمنون بالله و النبيّ و ما أنزل إليه ما إتّخذوهم أولياء"، و قوله:"لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادّون من حادّ الله و رسوله"، و نحوها فالظاهر و الباطن متلازمان لا يكون الظاهر مستقيما إلاّ مع إستقامة الباطن، و إذا إستقام الباطن فلابدّ أن يستقيم الظاهر، و لهذا قال النبيّ عليه الصّلاة و السّلام:"ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، و إذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا و هي القلب"، و قال عمر لمن رآه يعبث في صلاته: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه .. و لهذا كان الظاهر لازما للباطن من وجه و ملزوما له من وجه، وهو دليل عليه من جهة كونه ملزوما، لا من جهة كونه لازما، فإنّ الدليل ملزوم المدلول، يلزم من وجود الدليل وجود المدلول، و لا يلزم وجود الشيء وجود ما يدلّ عليه، و الدليل يطّرد و لا ينعكس، بخلاف الحدّ فإنّه يطّرد و ينعكس. إنتهى

و من أدلّة هذه المسألة:

قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} آل عمران:31.

(1) - الصارم المسلول (ص: 34)

(2) - مجموع الفتاوى (9/ 18 / 153 - 154)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام