* علاقة الظاهر بالباطن:
قال [1] شيخ الإسلام ابن تيميه: وهنا أصول تنازع الناس فيها، منها أنّ القلب هل يقوم به تصديق أو تكذيب ولا يظهر قط منه شيء على اللسان والجوارح، وإنّما يظهر نقيضه من غير خوف؟
فالذي عليه السلف والأئمة وجمهور الناس أنّه لا بد من ظهور موجب ذلك على الجوارح، فمن قال: أنّه يصدق الرسول ويحبه ويعظمه بقلبه ولم يتكلم قط بالإسلام ولا فعل شيئاً من واجباته بلا خوف، فهذا لا يكون مؤمناً في الباطن؛ وإنّما هو كافر.
وزعم جهم ومن وافقه أنّه يكون مؤمناً في الباطن وأنّ مجرد معرفة القلب وتصديقه يكون إيماناً يوجب الثواب يوم القيامة بلا قول ولا عمل ظاهر، وهذا باطل شرعاً وعقلاً، وقد كفَّر السلف كوكيع وأحمد وغيرهما من يقول بهذا القول، وقد قال النبيصلى الله عليه وسلم:"إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب"، فبيّن أنّ صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد، فإذا كان الجسد غير صالح دل على أنّ القلب غير صالح، والقلب المؤمن صالح، فعلم أنّ من يتكلم بالإيمان ولا يعمل به لا يكون قلبه مؤمناً؛ وذلك أنّ الجسد تابع للقلب فلا يستقر شيء في القلب إلاّ ظهر موجبه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه. اهـ.
و قال [2] رحمه الله في موضع آخر: إنّ من الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأنّ الله فرض عليه الصلاة والزكاة والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله الزكاة ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلاّ مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح و لهذا لا يصف سبحانه بالإمتناع من السجود إلاّ الكفار كقوله تعالى:"يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون"
قال شيخ الإسلام: فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف إرتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، واعلم أنّ من قال من الفقهاء أنّه إذا أقر بالوجوب وإمتنع من الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه فإنّه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون معها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان وأنّ الأعمال ليست من الإيمان، وقد تقدم أنّ جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، و أنّ إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءا من الإيمان. إنتهى.
(1) - الفتاوى (14/ 120)
(2) - كتاب الإيمان الأوسط، و أنظر كتاب منهج ابن تيمية في مسألة التكفير للشيخ عبد المجيد المشعبي 1/