وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [آل عمران: 23] ، يحكي لنا الله تعالى حال أهل الكتاب بأنهم إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم تولى فريق منهم وهم معرضون، وفي هذا تحذير لنا أن نفعل كفعلهم، فيصيبنا ما أصابهم ويلحقنا ما لحقهم، وإن الله أنزل كتابه ليحكم بين الناس بالحق، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18] ، أي: شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير وتنهى عن كل شر، فليس لأحد أن يشرّع للخلق إلا خالقهم فهو أبصر بهم.
وإنَّ مناط كفر الحكم بغير ما أنزل الله: هو تبديل شرع الله ولو في مسألة واحدة، مثال ذلك حد السرقة في الإسلام قطع اليد فلو استبدله حاكم بالحبس وجعل ذلك حكما عاما في كل سارق لكان ذلك تبديلا لشرع الله ولدينه وخروجا من الإسلام إلى الكفر، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] ، ففي الآية الكريمة حكم بالكفر على كل من حكم بغير ما أنزل الله، وقد نزلت في اليهود حينما بدلوا حكما واحدا من أحكام التوراة وهو رجم الزاني، حيث استبدلوه بالجلد والتحميم فحكم الله عليهم وعلى من فعل فعلهم بالكفر والظلم والفسق، قال الحافظ ابن كثير في"تفسيره"3/ 113: