"وتَأمل حكمته تبَارك وَتَعَالَى فِي إرْسَال الرُّسُل فِي الأمم وَاحِدًا بعد وَاحِد كلما مَاتَ وَاحِد خَلفه آخر لحاجتها الى تتَابع الرُّسُل والأنبياء لضعف عقولها وعدم اكتفائها بآثار شَرِيعة الرَّسُول السَّابِق فَلَمَّا انْتَهَت النُّبُوَّة إلى مُحَمَّد بن عبد الله رَسُول الله ونبيه أرسله الى أكمل الأمم عقولا ومعارف وأصحها أذهانا، وأغزرها علوما، وبعثه بأكمل شَرِيعة ظَهرت في الأرض منذ قَامَت الدنيا إلى حِين مبعثه، فأغنى الله الأمة بكمال رسولها وكمال شرِيعته وكمال عقولها، وصِحَّة أذهانها عن رسول يأتي بعده، أقام له من أمته وَرَثَة يحفظون شَرِيعَته ووكلهم بهَا حَتَّى يؤدوها إِلى نظرائهم ويزرعوها فِي قُلُوب أشباههم، فلم يحتاجوا مَعَه الى رسول آخر ولا نبِي ولا مُحَدَّث، ولهذا قال: (إنه قد كَانَ قبلكُمْ فِي الأمم محدثون فإِن يكن في أمتي أحد فعمر) ، فجزم بِوُجُود الْمُحدثين في الأمم وعلق وجوده في أمته بِحرف الشَّرط وليس هذا بِنُقْصَان في الأمة على من قبلهم بل هذا من كمال أمته على من قبلها، فإِنها لكمالها وكمال نبيها وكمال شريعته لا تحتاج الى مُحدث بل إِن وجد فهو صالح للمتابعة والاستشهاد لا أنه عُمْدَة لأنها في غنية بِمَا بعث الله بِهِ نبيها عن كل مَنَام أو مكاشفة أو إلهام أو تحديث، وأما مَنْ قبلها فللحاجة إلى ذلك جعل فيهم المحدثون".
وذكر صاحب كتاب"تحذير أهل الأيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن (ص 43 - 44) لفتة مهمة عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] ، فقال:"