والثانى: تقدير اقتدار الخلق على الاستبدال بالإمام والتصرف فيه بالخلع والانتقال؛ وهذا محال فى زماننا، إذ لو أجمع أهل الدهر وتألبوا على أن يصرفوا الوجوه والقلوب عن الحضرة المقدسة المستظهرية لم يجدوا إليها سبيلا، فيتعين على كافة علماء العصر الفتوى بصحة هذه الإمامة وانعقادها بالشرع.
ولكن بعد هذا شرطان: أحدهما أن لا يمضى كل قضية مشكلة إلا بعد استنتاج قرائح العلماء والاستظهار بهم، وأن يختار لتقليده عن التباس الأمر واختلاف الكلمة أفضل أهل الزمان وأغزرهم علما، وقلما تنفك مدينة السلام عن شخص يعترف له بالتقدم فى علم الشرع، فلا بدّ من تعرف الشرع فى الوقائع منه لينوب ذلك عن الاجتهاد، والثانى أن يسعى لتحصيل العلم وحيازة رتبة الاستقلال بعلوم الشرع، فإن الإمامة وإن كانت صحيحة منعقدة فى الحال فخطاب الله تعالى قائم بإيجاب العلم وافتراض تحصيله، إذا ساعدت القدرة عليه لم يكن للتوانى فيه عذر، لا سيما والسن سنّ التحصيل، وريعان الشباب معين على الغرض، والقدر الواجب تحصيله شرعا إذا صرف إليه الهمة الشريفة حصل فى قدر يسير من الزمان، ولا يليق تطلب غايات الكمال إلا بالحضرة المقدسة الشريفة النبوية المحفوفة بالعزّ والجلال.
وإذا اتضح، فى هذا الباب، بهذه البراهين اللائحة أن مقتضى أمر الله أن الإمام الحق المستظهر بالله هو المتعين لخلافة الله فما أجدر هذه النعمة أن تقابل بالشكر! وإنما الشكر بالعلم وبالعمل وبالمواظبة على ما أودعته فى الباب الآخر من الكتاب، وعلى الجملة فشكر هذه النعمة ألا يرضى أمير المؤمنين أن يكون لله على وجه الأرض عبد أعبد وأشكر منه؛ كما أن الله تعالى لم يرض أن يكون له على وجه الأرض عبد أعزّ وأكرم من أمير المؤمنين، فهذا هو الشكر الموازى لهذه النعمة.
والله ولى التوفيق، بمنّه ولطفه.