فهرس الكتاب
الصفحة 126 من 196

اعتقد فى غير معصوم أنه معصوم- كيف يحكم بكفره؟ نعم يحكم بحماقته واعتقاده أمرا يكاد يخالف المشاهد من الأحوال وأمرا لا يدل عليه نظر العقل ولا ضرورته.

فإن قيل: فلو اعتقد معتقد فسق أبى بكر وعمر رضى الله عنهما وطائفة من الصحابة فلم يعتقد كفرهم، فهل تحكمون بكفره؟ - قلنا: لا نحكم بكفره، وإنما نحكم بفسقه وضلاله ومخالفته لإجماع الأمة، وكيف نحكم بكفره ونحن نعلم أن الله تعالى لم يوجب على من قذف محصنا بالزنى إلا ثمانين جلدة «1» ، ونعلم أن هذا الحكم يشتمل كافة الخلق ويعمهم على وتيرة واحدة، وأنه لو قذف قاذف أبا بكر وعمر- رضى الله عنهما- بالزنى لما زاده على إقامة حدّ الله تعالى المنصوص عليه فى كتابه، ولم يدعوا لأنفسهم التمييز بخاصية فى الخروج عن مقتضى العموم.

فإن قيل: فلو صرح مصرح بكفر أبى بكر وعمر- رضى الله عنهما- ينبغى أن ينزل منزلة من لو كفّر شخصا آخر من آحاد المسلمين أو القضاة والأئمة من بعدهم- قلنا: هكذا نقول، فلا يفارق تكفيرهم تكفير غيرهم من آحاد الأمة والقضاة، بل أفراد المسلمين المعروفين بالإسلام إلا فى شيئين: أحدهما فى مخالفة الإجماع وخرقه، فإن مكفر غيرهم ربما لا يكون خارقا لإجماع معتد به، الثانى: أنه ورد فى حقهم من الوعد بالجنة والثناء عليهم والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم وتقدمهم على سائر الخلق أخبار كثيرة، فقائل ذلك إن بلغته الأخبار واعتقد مع ذلك كفرهم فهو كافر لا بتكفيره إياهم ولكن بتكذيبه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن كذّبه بكلمة من أقاويله فهو كافر بالإجماع، ومهما قطع النظر على التكذيب فى هذه الأخبار وعن خرق الإجماع نزل تكفيرهم منزلة سائر القضاة والأئمة وآحاد المسلمين، فإن قيل: فما قولكم فيمن يكفر مسلما: أ هو كافر، أم لا؟ قلنا: إن كان يعرف أن معتقده التوحيد وتصديق الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم إلى سائر المعتقدات الصحيحة فمهما كفره بهذه المعتقدات

(1) الآية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً [النور: 4] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام