عنوان الفتوى : هل يحسب الطلاق في النكاح الفاسد
أحد أقاربي خطب فتاة وفي يوم قال لها زوجيني نفسك، فقالت زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله وعلى مذهب أبي حنيفة النعمان ثم حلف بالطلاق أكثر من مرة أو رمى اليمين عليها، فهل يحسب هذا طلاق؟ وإذا كان طلقها ثلاثا، فهل تحل له عندما يتزوجان شرعا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنكاح له أركان وشروط معروفة لا ينعقد بدونها وهي ولي المرأة، أو من ينوب عنه، وشاهدا عدل، وصيغة دالة على النكاح، وراجع الفتوى رقم: 77040
وبناء على ذلك، فإن قول ذلك الرجل لخطيبته زوجيني نفسك مع موافقة المرأة على ذلك يعتبر نكاحا بلا ولي ولا شهود، وهذا من أنواع النكاح الفاسد المختلف في صحته.
جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني الحنبلي: وإن لم يدخل بها في عقد المتعة وفيما حكمنا به أنه كمتعة كالتزويج بلا ولي ولا شهود وجب على الزوج أن يطلق, فإن لم يطلق, فسخ الحاكم النكاح, وفرق بينهما، لأنه نكاح مختلف فيه. انتهى.
والنكاح إذا كان فاسدا واعتقد الزوج صحته يكون الطلاق فيه نافذا، كما سبق في الفتوى رقم: 140491.
وجاء في الفتاوى الكبري لشيخ الإسلام ابن تيمية: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، عن رجل تزوج امرأة من سنين، ثم طلقها ثلاثا، وكان ولي نكاحها فاسقا، فهل يصح عقد الفاسق، بحيث إذا طلق ثلاثا لا تحل له إلا بعد نكاح غيره، أو لا يصح عقده؟ فله أن يتزوجها بعقد جديد، وولي مرشد من غير أن ينكحها غيره؟ أجاب: الحمد لله، إن كان قد طلقها ثلاثا فقد وقع به الطلاق، وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا أو فاسقا، ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق، فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق، وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح، بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة، وإذا فرع على أن النكاح فاسد، وأن الطلاق لا يقع فيه، فإنما يجوز أن يستحل الحلال من يحرم الحرام، وليس لأحد أن يعتقد الشيء حلالا حراما وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق، ولو ماتت لورثها، فهو عامل على صحة النكاح، فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟ فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته، فاسدا إذا كان له غرض في فساده
وهذا القول يخالف إجماع المسلمين فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء، كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه أو خالفه، ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين، وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث، لا عند الاستمتاع والتوارث، يكونون في وقت يقلدون من يفسده، وفي وقت يقلدون من يصححه، بحسب الغرض والهوى، ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة، وأما إن كان هذا حلف يمينا بالطلاق، فليذكر يمينه ليفتى بما يجب في ذلك، فإن كثيرا من الناس، قد يظن أنه حنث ووقع به الطلاق، ويكون الأمر بخلاف ذلك، وفي الحنث مسائل فيها نزاع بين العلماء، فالأخذ بقول سائغ في ذلك خير من الدخول فيما يخالف الإجماع. انتهى.
وعليه، فإن كان الزوج المذكور قد طلق زوجته ثلاثا فأكثر فإما أن يكون ذلك بعد خلوة شرعية أم لا؟ فإن كان الطلاق قبل خلوة شرعية وكان بلفظ واحد كقوله أنت طالق ثلاثا مثلا فقد حرمت عليه عند الجمهور ولا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره ثم يطلقها بعد الدخول وإن كان الطلاق في أوقات متفرقة أو ألفاظ متتابعة فإنها تبين بالطلقة الأولي فقط ولا يقع ما بعدها لوقوعه بعد انقطاع العصمة فلم يصادف محلا وبالتالي فتباح لزوجها بعقد جديد، جاء في المغني لابن قدامة: أجمع أهل العلم على أن غير المد خول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق مطلقها رجعتها. انتهى.
وإن كان طلاق الثلاث بعد الخلوة الشرعية التي سبق بيانها في الفتوى رقم: 131406، فالراجح عندنا وهو مذهب الحنابلة أنها تقوم مقام الدخول، كما تقدم في الفتوى رقم: 103377.
وبالتالي، فيكون طلاق الثلاث نافذا إلا إذا كان بألفاظ متتابعة كقوله طالق طالق طالق مثلا وقصد الطلاق بالعبارة الأولي فقط وجعل ما بعدها تأكيدا لها فتلزمه طلقة واحدة فقط، كما تقدم في الفتوى رقم: 126581.
وراجع المزيد في الفتوى رقم: 60228.
ومذهب شيخ الإسلام ابن تيمية أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يحسب طلقة واحدة فقط، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 5584.
كما يقول شيخ الإسلام أيضا بلزوم كفارة يمين في الطلاق المعلق إن كان الزوج لا يقصد طلاقا، كما تقدم في الفتوى رقم: 19162.
هذا وننصح السائل بمشافهة بعض أهل العلم الثقاة وحكاية تفاصيل ما صدر عن قريبه من طلاق.
والله أعلم.