عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الخلوة وما يترتب عليها
تم عقد قراني على شاب وبدأ يزورني في بيت أهلي، ونبقى معا فترة طويلة في الغرفة ولا نقفل الباب وكنا نقوم ببعض الأشياء. فهل يجوز ذلك؟ وعند فسخ العقد هل أعتبر أنه دخل علي؟ وإن جلب لي هدية أردها أو لا ؟ وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان عقد النكاح قد حصل بأركانه من وجود ولي المرأة أو من ينوب عنه مع شاهدي عدل، وصيغة دالة على العقد. فهو نكاح صحيح، وبالتالي فيجوز لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر بجميع أوجه الاستمتاع المشروعة.
قال المواق المالكي في التاج والإكليل: ابن عرفة: صحيح النكاح والملك المستقل يبيح الاستمتاع بالحليلة في غير الدبر. انتهى. وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 2940.
والخلوة الشرعية تقوم مقام الدخول عند الجمهور حيث يترتب عليها تكميل المهر، وثبوت العدة كما ذكرنا في الفتوى رقم: 43479، وسؤالك عما إذا كان الذي حصل بينك وبين زوجك يعتبر دخولا أم لا؟ فجوابه أنه قد اختلف أهل العلم في تفسير الخلوة.
ففي شرح الزركشي لمختصر الخرقي الحنبلي: إذا تقرر هذا فقول الخرقي: وإذا خلا بها. معنى الخلوة أن يخلو بها بحيث لا يحضرهما مميز مسلم، ولو أنه أعمى أو نائم، قاله ابن حمدان في رعايته. انتهى.
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني: ثم تفسير الخلوة الصحيحة هو أن لا يكون هناك مانع من الوطء لا حقيقي ولا شرعي ولا طبعي، أما المانع الحقيقي فهو أن يكون أحدهما مريضا مرضا يمنع الجماع أو صغيرا لا يجامع مثله أو صغيرة لا يجامع مثلها... وأما المانع الشرعي فهو أن يكون أحدهما صائما صوم رمضان أو محرما بحجة فريضة أو نفل أو بعمرة، أو تكون المرأة حائضا أو نفساء لأن كل ذلك محرم للوطء، فكان مانعا من الوطء شرعا، والحيض والنفاس يمنعان منه طبعا أيضا لأنهما أذى والطبع السليم ينفر عن استعمال الأذى، وأما المانع الطبيعي فهو أن يكون معهما ثالث لأن الإنسان يكره أن يجامع امرأته بحضرة ثالث ويستحي فينقبض عن الوطء بمشهد منه وسواء كان الثالث بصيرا أو أعمى يقظا أو نائما بالغا أو صبيا. انتهى باختصار.
وقال التسولي المالكي في البهجة: ومعناه أن الزوج إذا خلا بزوجته خلوة يمكن شغله منها وإن لم يكن هناك ستر ولا غلق باب ثم طلقها بعد تلك الخلوة وهي مراد المصنف بالبناء كما مر فادعت هي المسيس وادعى هو عدمه فإن القول للزوجة بيمينها للعرف، إذ قل أن يفارقها قبل الوطء، وتستحق جميع مهرها الحال أو ما حل منه عند حلفها وأما المؤجل فتستحقه عند حلول أجله. انتهى.
فإذا كانت الخلوة بينك وبين زوجك قد حصلت حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، وحصل فسخ أو طلاق فإنه يكون قد وجبت عليك العدة عند المذاهب الثلاثة المذكورة، ووجب المهر كاملا عند الحنفية والحنابلة، وأما الشافعية فلا تقوم الخلوة عندهم مقام الدخول كما أن المالكية لا يتكمل عندهم المهر إلا بالوطء.
ويجوز لزوجك الإهداء إليك وقبول هديته، وإن فسخ العقد فتكون تلك الهدايا ملكا لك إن كانت من جملة المهر أو كانت مشترطة أو جرى بها عرف، فإن لم تكن من المهر أو لم تشترط أو لم يجر بها عرف فإن سماها الزوج هدية فلا رجوع فيها سواء حصل الطلاق قبل الدخول أم بعده، وإن سماها عارية وأشهد على ذلك جهرا أو سرا فله استرجاعها كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 47989.
وإن لم يكن فسخ العقد قد حصل بالفعل ولم يكن متوقعا فننصحك بعدم التفكير فيه فإنه لا طائل من وراء ذلك والأفضل الإقبال على الحياة الزوجية دون افتراض منغصات.
والله أعلم.