سلسلة منهاج المسلم - (90)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وهو كتاب اشتمل على العقيدة الإسلامية وعلى الآداب والأخلاق الإسلامية وعلى العبادات وعلى الشرائع والأحكام، وها نحن الآن مع الإمام، وجوب متابعة الإمام، لكن سبق قبلها إحدى عشرة مسألة، نشير إليها بالإشارة فقط، تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين:

أولاً: شروط الإمام

أولاً: شروط الإمامة: أن يكون ذكراً، فلا تؤم المرأة إلا مثلها من النساء، والفحول الرجال لا يؤمهم إلا رجل. هذا شرط.

ثانياً: الأولى بالإمامة

ثانياً: الأولى بالإمامة، الأولى بها أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله، وأتقاهم لله، وأكبرهم سناً، مراتب أعلاها فأعلاها، وقد تقدم هذا.

ثالثاً: إمامة الصبي

ثالثاً: إمامة الصبي، علمنا أن الصبي يؤم في النافلة، يصلي بالناس التراويح أو التهجد، أما أن يصلي بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فالذي عليه أكثر المسلمين أنه لا يؤمهم إلا بالغ، ذكر، عليم، بصير.

إذاً: إمامة الصبي في النافلة لا بأس بها، أما في الفريضة فلا، فلا يقدمون طفلاً يصلي بهم في العاشرة من عمره أو الثامنة أو السابعة، وما ورد في الحديث فسنة مخصوصة بشخص معين.

رابعاً: إمامة المرأة

رابعاً: إمامة المرأة، وقلنا: لا تصح أبداً.

خامساً: إمامة الأعمى

خامساً: إمامة الأعمى لا بأس بها وتصح.

سادساً: إمامة المفضول

سادساً: إمامة المفضول تصح، إذا وجد الفاضل والمفضول وقدمنا المفضول فلا بأس، رجلان أحدهما أعلم من الثاني فقدمنا من هو دونه في العلم تصح الصلاة، المفضول إمامته تصح مع وجود الفاضل.

سابعاً: إمامة المتيمم

سابعاً: إمامة المتيمم، تقدم أن المتيمم يصح أن يتيمم ويصلي بالناس ولا حرج، ولا يشترط للإمام أن يكون متوضئاً فقط، إذا كان مريضاً أو به جراحات يتيمم وتصح الصلاة له ولهم.

ثامناً: إمامة المسافر

ثامناً: إمامة المسافر، تصح إمامة المسافر، صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، وقال: ( إنا قوم سفر، أتموا صلاتكم يا أهل مكة ).

تاسعاً: وقوف المأموم مع الإمام

تاسعاً: وقوف المأموم مع الإمام، إذا كان الرجل الواحد مع الإمام يقف إلى جنبه من جهة اليمين، إذا كانا اثنان فأكثر فيقفون وراءه.

امرأة تقف وراء الإمام، إذا كان زوجها يصلي بها تقف وراءه، والمرأة تقف مصلية بالنساء في وسط الصف لا أمامهن، بل في الوسط، وأفضل الصفوف وخيرها صفوف الرجال، وأولها أفضل من آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وآخرها أفضل من أولها كما تقدم.

عاشراً: سترة الإمام سترة للمأموم

عاشراً: سترة الإمام سترة للمأمومين، الإمام يجعل سترة والمصلون وراءه لا سترة لهم، فسترته سترة لهم، لا يحتاجون إلى أن يجعلوا سترة، فسترة الإمام سترة للمأمومين.

وأخيراً: وجوب متابعة الإمام، فلا يكبر قبله ولا يركع قبله ولا يسجد قبله، بل لابد من المتابعة دائماً وراءه، وهذا ما انتهينا إليه، فهيا بنا ندرس ما يلي بعناية وتأمل وتدبر.

الحادي عشر: وجوب متابعة الإمام

[الحادي عشر: وجوب متابعة الإمام: ] على المأموم أن يتابع إمامه. بمعنى: أن يكون دائماً بعده، فلا يحاذيه ولا يتقدمه. فإذا قال الإمام: الله أكبر. تقول بعده أنت: الله أكبر. قال الإمام: الله أكبر وركع. لما يركع تقول أنت: الله أكبر وتركع. قال الإمام: سمع الله لمن حمده ورفع من الركوع ترفع بعده وتقول: ربنا لك الحمد.

قال: [ يجب على المأموم أن يتابع إمامه، ويحرم عليه أن يسبقه ] حرام عليه ويكون آثماً إذا سبق إمامه [ ويكره له أن يساويه ] بل الواجب أن يتأخر عن الإمام ويكون الإمام قبله في كل شيء، لكن إن ساواه فلا تبطل الصلاة، ولكنه فعل مكروهاً، إذا ساواه في الركوع وفي السجود وفي التكبير،لم يتقدمه ولكن ساواه فتكره هذه المساواة والصلاة تصح [ فإن سبقه في تكبيرة الإحرام وجب عليه أن يعيدها ] المأموم قال: الله أكبر قبل أن يقول الإمام: الله أكبر. تكبيرة الإحرام. ماذا يفعل المأموم؟ عليه أن يعيد التكبيرة [ وإلا بطلت صلاته ] لو ما أعاد التكبيرة بطلت صلاته؛ لأنه سبق الإمام في تكبيرة الإحرام فصلاته باطلة [ وكذا تبطل صلاته إن سلم قبله ] من سلم قبل الإمام قال: السلام عليكم، بطلت صلاته، ويجب أن يعيدها [ وإن سبقه في الركوع أو السجود أو في الرفع منهما، وجب عليه أن يرجع ليركع أو يسجد بعد إمامه ] أما تكبيرة الإحرام فيجب أن يعيدها وإلا فصلاته باطلة، أما الركوع والسجود إذا ركع قبله يجب أن يرجع ويركع بعده، وإن سجد قبله فيجب أن يعود ليسجد بعد إمامه، والصلاة تصح [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه ) ] لا في تكبيرة الإحرام قبله، ولا في السلام قبله، ولا في الركوع ولا في السجود، ولا في الرفع من الركوع، يكون المأموم دائماً وراء الإمام متابعة [ ( فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين ) ] الحديث هذا في البخاري وفي مسلم .

(إنما جعل الإمام) لم؟ (ليؤتم به) إذاً: (فلا تختلفوا عليه). كيف؟ (فإن كبر كبروا) لا تسبقوه. (وإذا ركع فاركعوا) لا تركعوا قبله. (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا أنتم: اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) فمتابعة الإمام واجبة وضرورية. متى تبطل صلاة المأموم إذا ما تابع؟ في أمرين اثنين: في تكبيرة الإحرام وفي السلام. إذا سلم قبله بطلت صلاته [ وقوله: ( أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ) ] هذا الحديث متفق عليه. وما ذكر في الحديث ممكن فإن الله على كل شيء قدير. لو تكبر وقال: إيه، هو يرفع قبلي، أنا قبله، فقد يمسخه الله ويحوله إلى حمار، البدن بدن إنسان والرأس رأس حمار، أو يبقى في فقهه وفهمه كالحمار طول حياته لا يعي ولا يبصر [ ( أو يحول الله صورته صورة حمار ) ] وهذا حديث آخر.

إذاً: عرفنا وجوب المتابعة بلا خلاف.

وبعض إخواننا من الأحناف يسرعون بالسلام، فلا ينتظرون الإمام حتى يسلم التسليمة الثانية، إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله يسلمون، والأولى والأفضل والأكمل أن لا نسلم حتى يسلم الإمام التسليمتين، إذا قال الإمام: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، قل أنت: السلام عليكم، ليس شرطاً أن يقول: السلام عليكم فتقول أنت: السلام عليكم، بل يجوز أن يسلم الإمام ويسكت وبعد ذلك أنت تدعو وتسلم.

الثاني عشر: استخلاف الإمام المأموم لعذر

[ الثاني عشر: استخلاف الإمام المأموم لعذر ] فالإمام قد يصاب بعذر وهو في المحراب فيأخذ أحد المصلين ويجعله مكانه ويخرج، كأن رعف الإمام وسال الدم فعليه أن يمسك الدم بيده ويأخذ واحداً من الصف ويجعله في مكانه ويتم الصلاة بالمؤمنين. مثلاً: دخل يصلي، صلى ركعة أو ركعتين وذكر أنه على غير وضوء، فعليه أن يجر واحداً من ورائه، فلهذا ينبغي أن يكون من وراء الإمام علماء فقهاء بصراء، وسيأتي بيان ذلك، فاستخلاف الإمام المأموم لعذر كانتقاض الوضوء أو رعاف وما إلى ذلك [ إذا تذكر الإمام أثناء صلاته أنه محدث، أو طرأ له الحدث أو رعف، أو نابه شيء لم يستطع الاستمرار معه في الصلاة ] دوران أو غيره [ له أن يستخلف ممن ورائه من المأمومين من يتم بهم صلاتهم وينصرف، فقد استخلف عمر رضي الله عنه عبد الرحمن بن عوف عندما طعن ] في المحراب [ وهو في الصلاة، واستخلف علي رضي الله عنه من رعاف أصابه ] عمر استخلف وعلي استخلف، ليس في هذا خلاف عندنا، فالإمام إذا ذكر أنه على غير وضوء أو انتقض الوضوء منه بفساء أو ضراط أو رعاف يأخذ واحداً من ورائه ويقدمه، ويجب أن يطيعه ويتم الصلاة بالناس، وهو يخرج إلى أن يتوضأ أو يغسل دمه.

و عمر لما طعن في المحراب -والذي طعنه أبو لؤلؤة مجوسي من عبدة الشمس- كان عبد الرحمن بن عوف وراءه فقدمه وأتم بالناس الصلاة، وسقط عمر.

الثالث عشر: تخفيف الإمام الصلاة

[ الثالث عشر: تخفيف الإمام الصلاة: يستحب للإمام أن لا يطيل الصلاة ] بالمصلين، فإن صليت وحدك فأطل ما شئت، ركعة ركعتين في ساعة أو ساعتين، لكن مع الناس لابد وأن تخفف [ إلا قراءة الركعة الأولى، إذا كان يرجو أن يدركها من تخلف عن الجماعة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يطيلها ] حتى يلحق الناس الصلاة [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ) ] لماذا؟ [ ( فإن فيهم الضعيف والسقيم ) ] أي: المريض [ ( والكبير ) ] الذي لا يقوى على القيام والركوع [ ( فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ) ] من أمَّ منا بالناس فيجب أن يراعي من يصلي وراءه، وخاصة في المسجد النبوي مائة ألف، أكثر من ألف كبير السن ما يقوى على القيام ولا الركوع، فالحد المحدود: سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك ويرفع رأسه، السجود: سبحان ربي الأعلى وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده ويرفع من السجود. رفع من الركوع: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. هذا يكفي. يراعي الناس وراءه. أما أن يقف ويطيل والناس منهم المريض والكبير وذو الحاجة أيضاً فلا ينبغي، فهذا لم يأخذ بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

الرابع عشر: كراهية إمامة من تكرهه الجماعة

[ الرابع عشر: كراهية إمامة من تكرهه الجماعة: ] إذا كان أهل القرية أو الحي أو الجماعة يكرهون شخصاً فيكره أن يؤمهم، وتكره له إمامتهم [ يكره للرجل أن يؤم أناساً هم له كارهون، إذا كانت كراهتهم له بسبب ديني ] أما أن يكرهونه بسبب الدنيا فلا قيمة لهذه الكراهة، لكن إذا كرهوه لسبب ديني: إما فسق، أو فجور، أو فساد عقيدة، أو غيره فنعم [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم ) ] فكيف تصل إلى الملكوت الأعلى؟! [ ( شبراً ) ] واحداً، من هم هؤلاء؟ [ ( رجل أم قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان ) ] متقاطعان. هؤلاء لا تقبل صلاتهم، إذا رفعت إلى الله لا تقبل ولا ترفع شبراً واحداً.

(رجل أم قوم وهم له كارهون) فما داموا يكرهونه لا يصلح أن يصلي بهم، بل يصلي معهم.

(وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط) أغضبته في النوم ونام وهو عليها ساخط، تبيت وصلاتها لا ترفع إلى السماء.

(وأخوان متصارمان) متعاديان، أخ مع أخيه متقاطعان لا ترفع صلاتهما.

والشاهد عندنا في كراهية أن يؤم الرجل الناس وهم له كارهون، فما دمتم تكرهونه لا يصلي بكم، ولا تقدمونه.

الخامس عشر: من يلي الإمام وانحراف الإمام بعد السلام

[ الخامس عشر: من يلي الإمام، وانحراف الإمام بعد السلام ] أولاً: من هو الذي يلي الإمام ويكون وراءه؟ [ يستحب أن يلي الإمام أهل العلم والفضل ] يستحب أن يكون وراء الإمام مباشرة أهل العلم والفضل [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ) ] ليلني منكم أصحاب الأحلام والنهى.. العقول، الذين فيهم آداب وأخلاق وعقول وافية. (ليلني منكم) من هم؟ (أولوا) بمعنى: أصحاب (الأحلام) جمع حلم (والنهى) العقل الوافي الكامل.

[ كما يستحب للإمام إذا سلم: أن ينحرف عن مصلاه يميناً ] يمين القبلة هكذا، فينحرف عن مصلاه هكذا ليستقبل الناس [ ويستقبل الناس بوجهه؛ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك. روى هذا أبو داود والترمذي وحسنه عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمنا فينصرف على جانبيه جميعاً على يمينه وعلى شماله ) ] حتى يستقبل المصلين وراءه، سواء يبدأ باليمين أو بالشمال. المهم: إذا سلم لا يبقى في المحراب مستقبلاً القبلة، بل عليه أن يستقبل الناس. هذه هي السنة.

السادس عشر: تسوية الصفوف

[ السادس عشر: تسوية الصفوف ] صفوف الصلاة [ يسن للإمام والمأمومين تسوية الصفوف وتقويمها حتى تستقيم؛ إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل على الناس ويقول: ( تراصوا واعتدلوا ) ] النبي صلى الله عليه وسلم في المحراب مستقبلاً القبلة، لكن يرجع إلى الناس ويستقبل الناس بوجهه ويقول: تراصوا واعتدلوا [ ويقول: ( سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة ) وقال: ( لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) ] هذا خطر عظيم (لتسون صفوفكم) طاعة لله ورسوله (أو ليخالفن الله بين وجوهكم) فتصبحوا متخالفين متنازعين كما هو الواقع [ وقال: ( ما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها ) ] هذه فاز بها كثيرون منا، رأى فرجة موجودة يخطو خطوة خطوتين ليسد هذه الفرجة، وتأمل النص: ( ما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها ) بوجوده. هذه فاز بها كثيرون.