خطب ومحاضرات
إغلاق منافذ الشر
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنحمد الله سبحانه وتعالى أن عدنا جميعاً إلى هذا المكان وإلى هذا الدرس، نسأل الله أن يجعله عوداً حميداً وقولاً سديداً، وأن يشملنا وإياكم برحمة منه ومغفرة، وأن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وتفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً.
أيها الإخوة.. هذا الدرس -إن شاء الله- سيكون من الآن وحتى الحج أو إجازة الحج درس أسبوعي في كل يوم أربعاء لقلة الأسابيع المتبقية وما سيعقب الإجازة من توقف لظروف الامتحانات وغيرها.
وموضوعنا في هذه الليلة موضوع مهم، موضوع من مباني هذه الشريعة، ومما يدل على عظمتها وتماسكها، ومما يدل على إحكامها وإتقانها من لدن حكيم خبير سبحانه وتعالى، وهذا الموضوع الذي أشير إليه بعنوان "إغلاق منافذ الشر" هو في الحقيقة كلام عن باب سد الذرائع في الشريعة، وسد الذرائع من الأمور المهمة جداً، ولهذا المفهوم تطبيقات كثيرة في الواقع نحتاج إليها، نحتاج أن نستلهم من الشريعة طريقتها، نحتاج أن نستلهم من الشريعة طريقتها في معالجة الأمور وفي أحكامها؛ لأن الإنسان إذا اهتدى بهدي الشريعة في واقعه فإنه يصل إلى خير كثير بإذن الله.
أما الذرائع: فإنها المنافذ والسبل، وفي اللغة: الذريعة هي السبب الموصل إلى الشيء، والطريق المؤدي والباب والوسيلة، الوسيلة إلى شيء تسمى ذريعة، وهي تحمل معنى التحرك والانتقال من شيء إلى آخر، والذريعة في اللغة: كل ما يتخذ وسيلة إلى غيره. وفي الشرع إن كان المقصود مصلحة فينبغي فتح الذرائع إليه، وإن كان محرماً ينبغي سد الذرائع، إذاً هناك في الشريعة فتح ذرائع وسد ذرائع،الشريعة جاءت لسد الذرائع وفتح الذرائع، سد الذرائع إلى المحرمات وفتح الذرائع إلى الخير والبر كما قال الناظم:
سد الذرائع إلى المحرم حتم كفتحها إلى المنحتم |
وهو الواجب حتم أيضا.
قال ابن القيم رحمه الله: إذا حرم الرب شيئاً وله طرق تفضي إليه وتؤدي إليه فإنه يحرم هذه الطرق والوسائل تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له ومنعاً من الاقتراب من حماه. وفي المقابل إذا أمر الله بشيء وأوجبه فإن الشريعة جاءت لفتح الطرق إليه، لفتح الذرائع إلى هذا الأمر وهذا الخير الذي أمر الله به، انظر مثلاً إلى النظر إلى المرأة الأجنبية، لما كان ذريعة إلى الزنا صار محرماً، والسعي إلى البيت الحرام لما كان ذريعة للحج وأداء الفرض صار مأموراً به يوصل إلى الحج المشروع، فالمنع من النظر إلى الأجنبية سد للذريعة، والسعي إلى البيت الحرام فتح للذريعة.
والأشياء التي جاءت الشريعة بتحريمها قد تكون حراماً لذاتها كالخمر، وقد يكون حراماً إذا أدى إلى حرام مثل بيع العنب لمن يعصره خمراً، وهناك أمور قد أجمع العلماء على عدم سدها، وأمور قد أجمع العلماء على سدها، وأمور قد حصل فيها الخلاف، فمن الأمور التي أجمع العلماء على عدم سدها مثل: منع زراعة العنب، لا يمنعون من زراعة العنب بحجة أنه يُتخذ منه الخمر؛ لأن العنب فيه فوائد كثيرة، فإنه يؤكل بالحلال ويؤخذ منه الزبيب وغير ذلك من الأشياء المباحة.
التجاور في البيوت والسكنى في العمائر قد يؤدي إلى الوقوع في المحرمات، ودخول الجار على زوجة جاره بالحرام، لكن لم يمنع منه العلماء؛ لأن فيه فوائد عظيمة للناس، والناس يحتاجون للازدحام والسكن، يحتاجون إلى السكنى في العمائر والبيوت المتجاورة، فلم تحرم عند العلماء من أجل أنها تؤدي إلى مفاسد؛ لأن المصالح التي فيها أعظم لا تقارن بالمفاسد، وكذلك بيع السكاكين في الأحوال العادية ليس محرماً، السكين فيها منافع كثيرة، فبها تذكى بهيمة الأنعام، ويستخدمها الناس في أشياء متعددة، فهل يقال بمنع بيع السكاكين لأنه ربما يستخدمها بعض الناس في الإجرام؟ الجواب: لا. لكن إذا صار وقت فتنة فلا يباع السلاح في وقت الفتنة.
هناك إذاً مفاسد مهدرة لا يلتفت إليها بجانب حاجة الناس والمصالح العظيمة، وهناك أمور أجمع العلماء على سدها مثل: سب الأصنام إذا كان يؤدي إلى أن يسب المشرك الله عز وجل، إذا سببت إلهه وصنمه سب الله، فلا يجوز لك أن تسب صنمه؛ لأنه يفضي إلى أمر أعظم. وكذلك المنع من شهادة الخصم على خصمه لأنه يخشى الشهادة بالباطل، وهناك أشياء اختلفوا فيها كبيع الأجل.
إن قال إنسان: ما هي الأدلة على هذا المفهوم -يعني: سد الذرائع وإغلاق منافذ الشر-؟ ولعلنا سنركز على هذا الجانب وهو سد الذرائع، مع أن فتح الذرائع موضوع مهم جداً أيضاً لعلنا نذكر منه طرفاً.
الأدلة من القرآن
ومنع المسلمون من مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة (راعنا) حتى لا يستعملها اليهود والمنافقون شتيمة للنبي عليه الصلاة والسلام لأنهم كانوا يقولون: يا محمد! راعناً -يعني: من الرعونة والطيش- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا [البقرة:104] لأن كلمة "انظرنا" لا تحتمل معنى سيئاً بخلاف الكلمة الأولى: وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104] ومنع الله آدم وحواء من الاقتراب من الشجرة.
أيها الإخوة! أرجو أن نتفطن لهذا المفهوم، هذا المفهوم دقيق ويحتاج إلى تفكير وتركيز، وفهمه يسهل فهم أشياء كثيرة جداً، ويسهل عليك اتخاذ إجراءات كثيرة في حياتك، ويسهل عليك معرفة أحكام شرعية كثيرة، ويسهل عليك فهم فتاوى العلماء في كثير من الأحيان.
مفهوم "سد الذرائع" هذا له ارتباطات اجتماعية ودعوية واقتصادية وغيرها كثير في الواقع، هذا المفهوم "سد الذريعة".
منع الله آدم وحواء من الاقتراب من الشجرة حتى لا يكون ذلك ذريعة إلى الأكل منها، فقال الله عز وجل: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35] الأصل المنع من أكلها، لكن سداً لذريعة قد يتوصل بها إلى الأكل نهياً عن الاقتراب: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة في القرآن.
أدلة من السنة على باب سد الذرائع
نهت الشريعة عن تعليق التمائم حتى لا يكون ذريعة للشرك، يعتقد الناس أن النفع من التميمة، وأن التميمة تؤثر بذاتها، والأمثلة كثيرة في كتاب التوحيد للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإنه عقد في كتابه هذا فصلاً خاصاً بعنوان "باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك" لاحظ.. وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، وساق فيه حديث (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً) وفي الشرح لهذا الحديث ذكروا حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فمنعنا من شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، فلا يجوز شد الرحال لزيارة مسجد آخر غير هذه الثلاثة.
وكذلك أتى بالأبواب في كتابه العظيم مثل: لبس الحلقة والخيط والرقى والتمائم والذبح في مكان يذبح فيه لغير الله، والعبادة في القبور، نهينا عن الصلاة في المقبرة؛ لأنها ذريعة إلى عبادة الموتى، لا يجوز الذهاب إلى العرافين والكهان ولو كان الإنسان غير معتقد أنهم يعلمون الغيب، لا يجوز إلا إذا كان للإنكار عليهم أو لإفحامهم وإقامة الحجة، أو لأخذهم وإقامة التعزير ورفع أمرهم إلى القاضي ونحو ذلك.
لماذا نهينا عن سب الدهر؟ لأنه يؤدي إلى سب الله عز وجل الذي خلق الدهر، الدهر ليس له تصرف، لا يضر ولا ينفع، الله الذي خلقه، يقلب الأيام والليالي سبحانه وتعالى.
لماذا نهي السيد أن يقول: عبدي وأمتي، وإنما يقول: فتاي وفتاتي وغلامي؟ نهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها حتى لا يكون ذريعة إلى مشاركة المشركين الذين يعبدون الشمس في ذلك الوقت، حتى في الأمور المتعلقة بالتطير وهذا له اتصال وثيق بالتوحيد، مثلاً: جاء النهي عن التسمي بأفلح ويسار ورباح ونجيح، لأنه ذريعة إلى التطير والتشاؤم الذي كان موجوداً عند كثير من العرب في ذلك الوقت، فإذا جاء وقال: بركة موجودة أو موجود؟ قالوا: ما في بركة. تطير وتشاءم، ونحو ذلك من الأسماء، فإذا كان يخشى التطير والتشاؤم عند قوم فلا يجوز التسمي بها بينهم.
وكذلك جاءت الشريعة بسد الذرائع المؤدية إلى الوقوع في البدعة، ففكر معي الآن لماذا نهينا عن تقدم صيام رمضان بيوم أو يومين إلا إذا وافق صوم الإنسان؟ لماذا نهينا عن صيام يوم الشك وحرم علينا صيام يوم العيد، واستحب لنا تعجيل الفطر وتأخير السحور، والأكل قبل عيد الفطر؟ والمصلي إذا خرج من الفريضة لا يصلي وراءها مباشرة قد ورد النهي عن ذلك، يفصل بينها وبين النافلة إما بكلام أو قيام، تغيير المكان أو الخروج من المسجد ويصلي في بيته، لا يصل صلاة الجمعة بصلاة وراءها حتى يتكلم أو يخرج، نهينا عن الوصال في الصوم، نهينا عن الرهبانية والتبتل... كل ذلك سداً لذريعة البدعة والزيادة في العبادة.
نهانا الشارع عن تصديق أهل الكتاب وتكذبيهم فيما لم يوافق شرعنا أو يخالفه، لأنه إذا وافق شرعنا صدقنا وإذا خالف شرعنا كذبنا، لكن إذا لم يخالف ولا وافق فلا نصدق ولا نكذب؛ لأنه قد يكون حقاً فنكذبه أو يكون باطلاً فنصدقه.
أما الأدلة من القرآن على هذه القاعدة كثيرة، فمنها: قول الله سبحانه وتعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] فنهينا عن سب آلهة المشركين إذا كان سبها يؤدي إلى سب الله.
ومنع المسلمون من مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة (راعنا) حتى لا يستعملها اليهود والمنافقون شتيمة للنبي عليه الصلاة والسلام لأنهم كانوا يقولون: يا محمد! راعناً -يعني: من الرعونة والطيش- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا [البقرة:104] لأن كلمة "انظرنا" لا تحتمل معنى سيئاً بخلاف الكلمة الأولى: وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104] ومنع الله آدم وحواء من الاقتراب من الشجرة.
أيها الإخوة! أرجو أن نتفطن لهذا المفهوم، هذا المفهوم دقيق ويحتاج إلى تفكير وتركيز، وفهمه يسهل فهم أشياء كثيرة جداً، ويسهل عليك اتخاذ إجراءات كثيرة في حياتك، ويسهل عليك معرفة أحكام شرعية كثيرة، ويسهل عليك فهم فتاوى العلماء في كثير من الأحيان.
مفهوم "سد الذرائع" هذا له ارتباطات اجتماعية ودعوية واقتصادية وغيرها كثير في الواقع، هذا المفهوم "سد الذريعة".
منع الله آدم وحواء من الاقتراب من الشجرة حتى لا يكون ذلك ذريعة إلى الأكل منها، فقال الله عز وجل: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35] الأصل المنع من أكلها، لكن سداً لذريعة قد يتوصل بها إلى الأكل نهياً عن الاقتراب: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة في القرآن.
وأما في السنة فإن الأدلة قد جاءت أيضاً بمفهوم سد الذرائع التي توصل إلى المحرمات، وعلى رأسها الشرك، فمثلاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ما شاء الله وشاء محمد، للشخص.. حسماً لمادة الشرك وسداً لذريعة التشريك في المعنى، وقال لمن قال له: ما شاء الله وشئت قال: (أجعلتني لله نداً؟) ونهت الشريعة عن رفع القبور، أكثر من شبر، وتعليتها لا تجوز، ونهت عن تجصيصها وإنارتها والكتابة عليها حتى لا تكون ذريعة إلى عبادة الموتى وتعظيمهم وصرف أنواع من العبادة لهم كما حدث للكثيرين من المسلمين في هذا الزمان وغيره نتيجة بناء الأضرحة على القبور وتشييد المباني عليها وجعل الخدام والسدنة لها وهكذا.
نهت الشريعة عن تعليق التمائم حتى لا يكون ذريعة للشرك، يعتقد الناس أن النفع من التميمة، وأن التميمة تؤثر بذاتها، والأمثلة كثيرة في كتاب التوحيد للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فإنه عقد في كتابه هذا فصلاً خاصاً بعنوان "باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك" لاحظ.. وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، وساق فيه حديث (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً) وفي الشرح لهذا الحديث ذكروا حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فمنعنا من شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، فلا يجوز شد الرحال لزيارة مسجد آخر غير هذه الثلاثة.
وكذلك أتى بالأبواب في كتابه العظيم مثل: لبس الحلقة والخيط والرقى والتمائم والذبح في مكان يذبح فيه لغير الله، والعبادة في القبور، نهينا عن الصلاة في المقبرة؛ لأنها ذريعة إلى عبادة الموتى، لا يجوز الذهاب إلى العرافين والكهان ولو كان الإنسان غير معتقد أنهم يعلمون الغيب، لا يجوز إلا إذا كان للإنكار عليهم أو لإفحامهم وإقامة الحجة، أو لأخذهم وإقامة التعزير ورفع أمرهم إلى القاضي ونحو ذلك.
لماذا نهينا عن سب الدهر؟ لأنه يؤدي إلى سب الله عز وجل الذي خلق الدهر، الدهر ليس له تصرف، لا يضر ولا ينفع، الله الذي خلقه، يقلب الأيام والليالي سبحانه وتعالى.
لماذا نهي السيد أن يقول: عبدي وأمتي، وإنما يقول: فتاي وفتاتي وغلامي؟ نهينا عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها حتى لا يكون ذريعة إلى مشاركة المشركين الذين يعبدون الشمس في ذلك الوقت، حتى في الأمور المتعلقة بالتطير وهذا له اتصال وثيق بالتوحيد، مثلاً: جاء النهي عن التسمي بأفلح ويسار ورباح ونجيح، لأنه ذريعة إلى التطير والتشاؤم الذي كان موجوداً عند كثير من العرب في ذلك الوقت، فإذا جاء وقال: بركة موجودة أو موجود؟ قالوا: ما في بركة. تطير وتشاءم، ونحو ذلك من الأسماء، فإذا كان يخشى التطير والتشاؤم عند قوم فلا يجوز التسمي بها بينهم.
وكذلك جاءت الشريعة بسد الذرائع المؤدية إلى الوقوع في البدعة، ففكر معي الآن لماذا نهينا عن تقدم صيام رمضان بيوم أو يومين إلا إذا وافق صوم الإنسان؟ لماذا نهينا عن صيام يوم الشك وحرم علينا صيام يوم العيد، واستحب لنا تعجيل الفطر وتأخير السحور، والأكل قبل عيد الفطر؟ والمصلي إذا خرج من الفريضة لا يصلي وراءها مباشرة قد ورد النهي عن ذلك، يفصل بينها وبين النافلة إما بكلام أو قيام، تغيير المكان أو الخروج من المسجد ويصلي في بيته، لا يصل صلاة الجمعة بصلاة وراءها حتى يتكلم أو يخرج، نهينا عن الوصال في الصوم، نهينا عن الرهبانية والتبتل... كل ذلك سداً لذريعة البدعة والزيادة في العبادة.
نهانا الشارع عن تصديق أهل الكتاب وتكذبيهم فيما لم يوافق شرعنا أو يخالفه، لأنه إذا وافق شرعنا صدقنا وإذا خالف شرعنا كذبنا، لكن إذا لم يخالف ولا وافق فلا نصدق ولا نكذب؛ لأنه قد يكون حقاً فنكذبه أو يكون باطلاً فنصدقه.
وتأمل طريقة الشارع الحكيم -طريقة الشريعة- في سد أبواب الفواحش فإن الشريعة لم تحرم الزنا مثلاً فقط وإنما حرمت كل طريق، وسدت كل منفذ يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة، تأمل قول الله عز وجل مثلاً: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] قول الله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31] قول الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].. وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31].. فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] النهي عن خروج المرأة متعطرة تمر على رجال فهي زانية، سفر المرأة وحدها بغير محرم فيطمع فيها الفسقة، النظر إلى العورات، النهي عن الجلوس في الطرقات خشية النظر إلى العورات، ولذلك أمر بغض البصر إذا كان لا بد من الجلوس؛ لأنه ليس له مجلس.
الخلوة بالأجنبية: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وصف المرأة المرأة لزوجها، وإفشاء أسرار العلاقة الزوجية، التفريق بين الأولاد في المضاجع.
إذاً الشريعة فيها حكمة من الحكيم الخبير، كل من منفذ يؤدي إلى الشر سدته، وهذا الكلام مهم جداً في هذه الأيام التي عمت فيها سبل الفاحشة من أفلام وتسهيل السفريات وغير ذلك من الأشياء، لو قلت: ما حكمها في الشريعة؟ نقول: انظر إلى ما تؤدي إليه. قد تكون في الأصل مباحة كالسفر، لكن لما كان يؤدي إلى المحرمات صار حراماً؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد، إذا كان المقصد حراماً فالوسيلة حرام، إذا كان المقصد مكروهاً فالوسيلة مكروهة، إذا كان المقصود واجباً فالوسيلة واجبة، وذلك هو ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذا كان المقصد مستحباً فالوسيلة مستحبة، إذا كان المقصد مباحاً فالوسيلة مباحة.
وتأمل لماذا لا تؤذن المرأة بين الرجال، ولا تكون المرأة إمامة للرجال؟ صفوف النسوة خلف صفوف الرجال، لا يرفع النساء أبصارهن إلا بعد رفع الرجال، يعني: لا يرفعن من السجود إلا بعد رفع الرجال حتى لا تظهر العورات، لأن الرجال كانوا يلبسون الأزر.
وكذلك لو قالوا: ما حكم أن تدرس النساء عند رجل أحكام التجويد؟ قلنا: إذا كانت المرأة تُحسِّن صوتها وتزينه بحيث يؤدي إلى فتنة، فإن كان هناك من النسوة من يُعلم ولو كان هؤلاء النسوة لا يتقنها كل الإتقان، يعني: لا يأتين بالأشياء الدقيقة فنقول: يكفين في تعليم النساء.
وكذلك لو راجعنا ما جاء في الشريعة في مجال اجتناب مواطن التهم، ألا يكون الإنسان في موضع تهمة يُظن به ظن سوء، النبي عليه الصلاة والسلام لما كان مع زوجته صفية ورآه رجلان من المسلمين يمشي معها أسرعا المشي، قال عليه الصلاة والسلام: (على رسلكما، إنها
لماذا يُنهى عن الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة؟ إذا أذن المؤذن لا تخرج من المسجد حتى تصلي إلا لحاجة أو ضرورة مثل أن يحتاج إلى الوضوء، أو صار له ظرف طارئ، لكن الأصل النهي ورد عن خروج الرجل من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة حتى لا يظن به ظن سوء.
وكذلك إذا جئت إلى مسجد وهم يصلون وأنت قد صليت هل تجلس وراء الصفوف تتفرج عليهم؟ لا. كما ورد الأمر بذلك في الصلاة ولو صليت في رحلك وصليت في مسجد آخر ثم أتيت مسجد جماعة فوجدتهم يصلون فصل معهم؛ لأن جلوسك وحدك وراءهم يسبب الشك والشبهة والظن السيئ بك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام -الحديث في الصحيح- لرجل: ( ألست من المسلمين؟ ) واحد أتى ما صلى معهم، أقيمت الصلاة قاموا يصلون وهو ما صلى معهم، قال: (ألست من المسلمين؟ قال: بلى يا رسول الله) لكن أنا صليت. فأخبره عليه الصلاة والسلام أنه إذا جاء مسجد جماعة وهم يصلون فليصل معهم ولو كان صلى، تحسب له نافلة والأولى هي الفريضة.
وهذا الباب يحتاجه الناس الآن، الإنسان لا بد أن يجلي موقفه، يستفيد من طريقة الشريعة في توضيح الأمور سداً لطريق الشيطان من إلقاء الظنون السيئة في نفوس الآخرين، أولاً: يجتنب أن يكون في مواضع التهم، فلو أن واحداً قال: أكون واقفاً مع الفسقة في الشارع، أو في مكان معروف أنه يرتاده الفساق، نقول: إن جلوسك معهم ووقوفك معهم ذريعة للظن بك ظن السوء، فإذا لم يكن هناك مصلحة راجحة من وقوفك، أو أن تستطيع توضيح موقفك للآخرين فلا تقف هذه الوقفة، ولا تجلس هذه الجلسة، ولا تغش هذا المكان، وأماكن الشر التي يتردد عليها الفساق كثيرة، مثلاً: هل يليق بشاب مسلم يخاف الله أن يذهب إلى مقهى من المقاهي التي تكون فيها الشيشة، ولعب الورق، والطاولة وغير ذلك ويجلس فيها، يكون معهم؟ لا.
والشريعة كذلك تحرص على معالجة النفوس وسد كل طريق من طرق الشحناء والبغضاء، لماذا نهينا عن تخطي المسجد المجاور على فرض ثبوت حديث الذي فيه كلام للعلماء؟ لكن لو ثبت الحديث النهي عن تخطي المسجد المجاور والانتقال إلى المسجد الآخر. فذلك حتى لا يكون في ذلك ذريعة لهجر المسجد، لأن الناس إذا تخطوا المسجد المجاور وذهبوا إلى مساجد أخرى هجروا مسجدهم، فبقي المسجد بلا رواد، وكذلك قد يكون فيه إيحاش للإمام يقول: هذا لماذا لا يصلي ورائي؟ هل يظن بي سوءاً في ديني، أو خللاً في عقيدتي؟ لماذا لا يصلي ورائي؟ وكذلك يكون فيها تهمة للشخص؛ لأنه من الحارة ومن الحي ومع ذلك لا يرى في المسجد، فأين هو؟ هل هو نائم في بيته؟ لماذا يتخلف عن الصلوات؟ فيظن به ظن سوء؛ ولذلك على الإنسان أن يصلي من الصلوات ما يكون به ساداً لذريعة ظن السوء به.
وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحديث بعد العشاء إلا في طاعة أو مجلس علم أو إكرام ضيف حتى لا يؤدي هذا السهر إلى تفويت قيام الليل أو إلى تفويت صلاة الفجر.
ثبت في الحديث النهي عن النوم قبل صلاة العشاء حتى لا يؤدي إلى ترك صلاة العشاء أو تفويت وقتها، ولذلك الآن أصحاب الأعمال والدوام والنوبات الذين يعملون في الشركات، كمجال الطيران وغيره، هؤلاء قد يداومون في الليل ويحتاجون إلى نوم في النهار، فينبغي عليهم الانتباه إلى ألا يؤدي نومهم إلى تضييع الصلاة.
وكذلك الطلاب في أوقات الامتحانات بعضهم يسهر في الليل للمذاكرة وينام في النهار مما يؤدي إلى تضييع صلاة الظهر والعصر أحياناً، وهذا حرام لا يجوز، فإذا كان العمل أو النوم مباحاً لكن إذا كان يؤدي إلى تضييع الصلاة لا يجوز أن ينام حتى يصلي، أو يتخذ من الإجراءات ما يوقظه للصلاة.
نهى الشارع أن يمدح الشخص أخاه المسلم في وجهه؛ لأنه يؤدي إلى فتنته وإدخال العجب والغرور في نفسه.
النهي عن الاحتباء في الجمعة حتى لا يؤدي إلى خروج الريح، أو انكشاف العورة، أو إلى النوم، أو هذه الجلسة تؤدي إلى جلب النعاس.
ومنعت المعتدة من وفاة زوجها من الزينة والطيب، ولا يجوز أن يصرح إنسان بخطبتها، لأن النكاح محرم في العدة، فنهيت عن كل ما كان ذريعة إليه من التطيب والتزين والتصريح بالخطبة.
هذه قاعدة أيضاً معناها موجود في كثير من الأدلة في العلاقة الزوجية مثل الحائض فإنه لا يأتيها إلا إذا ائتزرت بإزار، ويستمتع بها ما فوق السرة وما تحت الركبة، ولا تجوز المباشرة في الفرج مطلقاً لأنه يؤدي إلى الوقوع في الجماع في الحيض وهذا محرم.
فنقول: أحياناً يكون الشيء مباحاً، ولكن يؤدي إلى شيء مذموم، هب أن إنساناً قدم بلداً وهو ما زال مسافراً سيمكث فيها يوماً أو يومين في نهار رمضان، فإنه يجوز له الإفطار، لكن لا يجوز له أن يفطر أمام الناس لئلا يظنوا به ظن السوء، ما أدراهم أنه مسافر؟ سيجلب التهمة إلى نفسه.
وكذلك ما ذكره العلماء من عدم وضع السم في الطعام للفئران إذا كان في مكان تصل إليه يد الأطفال مثلاً، ونحو ذلك.
أما في العلاقات الأخوية فإن سد الذرائع قاعدة موجودة واضحة في النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه، إذا كان الواحد يساوم البائع فلا يجوز لإنسان أن يدخل بينه وبين البائع حتى تستقر الأمور على شيء، إما أن تصل إلى طريق مسدود أو يتفقا، لا يجوز إذاً أن تدخل في المساومة -طبعاً هذا غير بيع المزايدة، بيع الحراج هذا أمر آخر، هذا جائز في الشريعة- لكن شخص يتفاوض مع البائع في الدكان على سلعة لا يجوز لآخر أن يدخل بينه وبين البائع، إذا كان اتفق وإياه على السعر ولم يبق إلا العقد والاستلام والتسليم فلا يجوز أن يدخل بينه وبين البائع، إذا تم العقد وهما في خيار المجلس -يعني: في الدكان ما غادراه- يحق لكل منهما الرجوع ولا يجوز أن يأتي بائع آخر يقول من بعيد: تعال، أنا أعطيك بأقل، افسخ البيع وتعال.
أو إذا كانا في خيار الشرط، كأن يقول: أشتريتها منك فإن لم تناسبني أرجعتها إليك بعد يوم، فلا يجوز أن يأتي شخص آخر يقول: بكم اشتريتها؟ ردها إليه، وأنا أعطيك بأقل، كما أنه لا يجوز لمشتر آخر أن يأتي إلى البائع ويقول: افسخ البيع مع المشتري وأنا أشتريها منك بأكثر.
وإنما نهي المسلم عن البيع على بيع أخيه والسوم على سوم أخيه سداً لذريعة البغضاء والشحناء بين المسلمين.
لا يخطب على خطبة أخيه، لو علمت أن فلاناً من إخوانك المسلمين تقدم لخطبة فتاة، فلا يجوز لك أن تتقدم إليهم تخطب البنت وأنت تعلم أن فلاناً قد تقدم، حتى يردوه أو أنهم يصرفوه ولو بالسكوت بمعنى: أنهم لم يركنوا إليه، فإذا ركنوا إليه لا يجوز أن تدخل بينه وبينهم، إذا لم يركنوا إليه فهم مترددون أو ردوه ورفضوه فيجوز لك أن تتقدم أو استأذنت منه فهذا جائز، قلت: يا أخي! ائذن لي أن أخطب هذه، أنت ستجد غيرها، أنت إنسان معروف وأنا غير معروف وما عندي إلا هذه الفتاة التي أتوقع أن يوافقوا لي عليها، فهل تأذن لي أن أتقدم وأخطبها؟ فإن أذن جاز لك، وإن لم يأذن لا يجوز سداً لذريعة الشحناء والبغضاء.
النهي عن تناجي اثنين دون الثالث، لأن ذلك يحزنه، هذه فيها ذريعة إلى البغضاء بين المسلمين، النهي عن الجلوس بين اثنين إلا بإذنهما.
كل ذريعة تؤدي إلى قطع الرحم فهي حرام، وقد منعت الشريعة نكاح المرأة على عمتها والمرأة على خالتها؛ لأن ذلك يؤدي إلى قطع الرحم، لأن كلاً منهما ستغار من الأخرى، هذه عمتها وهذه خالتها وستغار منها، وستكون القطيعة، فلا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.
أما في المعاملات والبيوع مثلاً، هذا ذكرنا طرفاً منه فيما يتعلق بآداب الأخوة، وأيضاً الشريعة تسد كل ذريعة إلى الربا، وكل طريق يوصل إليه، ولذلك لا يجوز بيع العينة: وهي أن تبيع سلعة إلى أجل -إلى سنة- بعشرة آلاف ثم تقول: تبعنيها نقداً بثمانية آلاف هذا حرام، لا يجوز لأنه ذريعة إلى الربا.
كذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، مع أن الشريعة تجيز السلف لوحده وتجيز البيع لوحده، لاحظ معي الشريعة تجيز السلف لوحده وتجيز البيع لوحده، لكن حرمت السلف والبيع في آن واحد، لأنه إذا اجتمع سلف وبيع كان ذلك طريقة إلى القرض الذي يجر نفعاً، فإذا قال: أقرضك عشرة آلاف على أن تبيعني ساعتك بكذا. فلا يجوز، لكن القرض لوحده جائز والبيع لوحده جائز، هذا من الشواهد في السنة.
أما في عمل الصحابة رضوان الله عليهم فالشواهد كثيرة وكثيرة جداً، فمن ذلك أن الصحابة قتلوا الجماعة بالواحد، اجتمع جماعة على واحد فقتلوه، لئلا يكون ذريعة إلا ضياع دماء المسلمين، كلما أرادوا قتل واحد جاءت جماعة فقتلوه وضاع دمه، فالصحابة قضوا بقتل الجماعة بالواحد.
وكذلك نفى عمر من كان سبباً في فتنة النساء بجماله؛ سَمع عمر أن فلاناً يذكر على أنه أجمل أهل المدينة فقال: عليَّ به. أتى به فحلق رأسه لعل الفتنة تزول، فازداد الرجل حسناً لما زال شعره وظهرت جبهته كاملة، فقيل إنه عممه بعمامة فلا زال جميلاً! فقرر عمر أن يبعده إلى بلدة أخرى حتى لا يكون سبباً لفتنة المسلمات في هذا البلد، وزوجه وأحسن إليه، لأنه رجل ليس بمذنب، فليس ذنبه أن يكون جميل الخلقة فإن الله قد كتب أن يكون جميلاً، لكن سداً لذريعة فتنة النساء مادام أن خبره واسمه وذكره منتشر بين النساء ومتداول أبعده عمر.
قطع عمر رضي الله عنه شجرة بيعة الرضوان التي تبايع الصحابة عندها في غزوة الحديبية لأجل ألا يكون اجتماع الناس عليها ذريعة إلى الشرك.
ولما وجد الصحابة قبر دانيال عليه السلام -هذا أحد الأنبياء- في الفتوحات، وجدوه عند قوم كان يستسقون به، يخرجون جسده وقت القحط، وأجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض، قالوا: مات منذ مئات السنين لكن ما تغير جسمه. قالوا: فحفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان بالليل دفنوه في واحد منها وسووا القبور كلها لتعميته على الناس حتى لا ينبشوه، كل هذا من حرص الصحابة على سد ذرائع الشرك وتعظيم الموتى.
لماذا عزل عمر خالداً رضي الله عنهما؟
أخبر عمر أنه ما عزله عن سخط ولا عن كره ولا عن خيانة، لكن قال: ولكن الناس فُتنوا به فِخفت أن يوكلوا إليه -بدلاً أن يتوكلوا على الله يقولون: مادام أن الجيش فيه خالد فنحن منصورون- فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، هو الذي يصنع النصر وهو الذي يقدر النصر سبحانه وتعالى.
من يخبرني لماذا أمر عمر ببناء الكوفة والبصرة؟ خاف عمر على المسلمين إذا سكنوا في بلاد الفرس والروم أن يختلطوا ويتأثروا بعاداتهم وأخلاقهم، وقد يؤدي إلى الوقوع في شيء من المحرمات، أراد عمر أن يجعل بلداناً خاصة للمسلمين، يكون المسجد في الوسط وحوله المساكن، ويجعل له قاضياً وإماماً، فـعمر خشي من اختلاط المسلمين إذا سكنوا في بلدان الكفرة أن يتفرق المسلمون فيها ويتأثرون بهم، فمصَّر للمسلمين أمصاراً خاصة.
هذه بعض من أفعال الصحابة في مسألة سد الذرائع، ولا زال العلماء يفتون بقاعدة سد الذرائع، وهذا مشهور في المذاهب ومن أعظمها مذهب الإمام مالك رحمه الله فإن المالكية يعتمدون كثيراً على هذا الباب، لكن ينبغي أن يعلم أنه لا بد أن تكون الذريعة واضحة للتحريم والمنع، لا متوهمة ولا قليلة.
ولنضرب أمثلة من فتاوى العلماء المعاصرين في مسائل سد الذريعة:
فتاوى في حكم الاعتناء بالآثار
فتوى في عدم جواز إظهار النصراني لدينه في الجزيرة
لا يجوز أن يقام مهرجانات يحضر فيها عوام المسلمين أو مؤتمرات يحضر فيها عوام المسلمين يقوم فيها نصراني بالكلام عن صحة دين النصرانية ، وأصل دين النصرانية ، والدفاع عن دين النصرانية ، لأنه قد يؤدي إلى تأثرهم.
فتوى في عدم جواز التجنس بجنسية الدولة الكافرة
فتوى في تحريم تمثيل أدوار الصحابة في الأفلام وغيرها
فتوى في تحريم قيادة المرأة للسيارة في المدن
فتوى في تحريم دراسة المرأة لبعض التخصصات
وهناك أعمال واضح جداً أنها بعد التخرج منها ستشتغل في الأعمال المحرمة، في تخصصات مثل تخصص السكرتارية مثلاً.
فتوى بخصوص الزواج من الكتابيات
فإذاً هل يقال: هيا تزوج من الكتابية وهو معلوم أنه سيتسبب في أن يلحق أولاده بـالنصرانية أو يكون عليه تسلط من الكفار؟ والآن في حياتنا الاجتماعية لو قلت لي: ما حكم نزول الأولاد إلى الشارع؟ ينزل الأولاد يلعبون في الشارع، ما حكم لعب الأولاد في الشوارع؟ في الأصل أنه مباح لكن إذا كنت أو علمت بالتجربة وبالعلم وبالخبر أن نزول الأولاد إلى الشارع يسبب تعلم أولادك التدخين والمخدرات والألفاظ البذيئة والفاحشة والوقوع في اللواط والخطف ... إلخ، وأنت تعلم هذا من الواقع ومن الشواهد، فهل تترك أولادك ينزلون إلى الشوارع ويقضون الساعات في الشوارع؟ هذا باب سد الذرائع باب مهم جداً.
وكذلك لو قلنا: ما حكم فتح وكالة سفريات؟ جاء واحد يسأل قال: أنا سأفتح وكالة سفريات، ما رأيكم؟ فتح وكالة سفريات إذا كان يؤدي إلى محرمات مثل المشاركة في نقل الناس إلى عواقب الفساد في الصيف إلى مانيلا وإلى بانكوك وغيرها، وإركابهم الطائرات في خطوط أجنبية تحمل الخمر والخنـزير، وذهاب المسلمين إلى بلاد الكفار وغير ذلك، إذاً لا يجوز فتحها، صار هذا عملاً محرماً، أنت تساعد على الفساد.
وكذلك لو قلت: ما حكم فتح محلات الكوافيرات؟ ما حكم تزيين المرأة لشعر امرأة أخرى؟ الجواب: مباح جائز، إلا إذا حصل فيه محرم مثل النمص، والصبغ بالسواد ... إلخ، أو أنها تجعل شعرها على قصة قصيراً جداً مثل الرجل أو مثل الكافرات ... إلخ المحاولات الكثيرة الموجودة عند الكوافيرات.
إذا لاحظ الإنسان أن الكوافيرة ستفتح مرتع فساد، وأنه سيكون من عملها نزع شعر المرأة والكشف عن عورتها أو عن جزء أو شيء من العورة، وهذا معلوم، هذا ليس مبالغة، والذي يعرف أخبار الكوافيرات يعلم أكثر من هذا بكثير جداً، فإذا لاحظ أن هذا هو الذي سيحدث أو إذا فتح -مثلاً- معمل خياطة نسائي إذا كان يعلم أنه يؤدي إلى أن يكون مكان فساد فعدم فتحه من باب سد الذرائع.
اتخاذ محلات ألعاب مثلاً يضعون فيها ألعاباً ويأتي إليها هؤلاء الشباب الذين يرتادون محلات الألعاب العامة عادةً ماذا يكون حالهم؟ إذا لاحظ الإنسان أن المكان صار مكان فساد، وتواعد على مواعيد اللواط؟ وهذا صار شيئاً معروفاً فما حكم فتح المحل؟ وما حكم الاستمرار في المحل؟ هو يرى أمامه أن هذا هو الحاصل.
انظر هذا باب سد الذرائع والله باب عظيم جداً من أبواب الشريعة، ولو أن الناس فقهوا فيه والذين يعملون المشاريع وغير ذلك من الناس فهموه لكفينا شراً كثيراً جداً.
مدينة ملاهي، تعمل لك مدينة ملاهي، ثبت لك بالتجربة والواقع أن مدينة الملاهي يعني تبرج النساء والاختلاط ومواعدة الشباب للفتيات في هذه الأماكن مثلاً، نقول: إذا غلب على ظنك أن هذا هو الذي سيحدث فمنعهم لا شك فيه.
قام واحد من الكتاب في إحدى الجرائد فذكر جواباً، وذكر فيه أن الدعوة إلى إعادة الآثار وصيانة هذه الآثار وتسهيل الطرق إليها وجعل المرشدين والمصاعد وغير ذلك فيه مشابهة للكفار في تعظيم آثار عظمائهم، وإنفاق الأموال في غير وجهها الشرعي، وغير ذلك، وذكر من ضمن الأسباب أنها من وسائل الشرك لأنها تؤدي إلى تعظيم الأماكن، ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاماً في عدم مشروعية صعود جبل الرحمة ودخول القبة التي في أعلاه المسماة بقبة آدم، وعدم مشروعية إتيان المساجد التي عند الجمرات وزيارة المساجد غير المسجدين مثل المسجد الذي تحت الصفا سابقاً، وفي سفح جبل أبي قبيس، والمساجد السبعة في المدينة، بعض الناس يقول: نذهب لنرى الآثار، ونذهب لزيارة المساجد السبعة ونحو ذلك، ومعلوم ما نقل عن الصحابة في المنع من إتيان جبل الطور مع أن جبل الطور جبل عظيم كلم الله عليه موسى، لكن الصحابي نصح الآخر قال: لو علمت أنك ستذهب منعتك، وكذلك فعل عمر في قطع الشجرة التي في بيعة الرضوان، لو كان الاحتفاظ بهذه الآثار الإسلامية مشروعاً لاحتفظ بها الصحابة وسيجوها وسوروها وأصلحوا ما انهدم منها ونحو ذلك، فإذاً: هي من ذرائع الشرك والبدع والوسائل المفضية إليها.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اقتضاء العلم العمل | 3615 استماع |
التوسم والفراسة | 3614 استماع |
مجزرة بيت حانون | 3544 استماع |
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] | 3500 استماع |
اليهودية والإرهابي | 3429 استماع |
إن أكرمكم عند الله أتقاكم | 3429 استماع |
حتى يستجاب لك | 3396 استماع |
المحفزات إلى عمل الخيرات | 3376 استماع |
ازدد فقهاً بفروض الشريعة | 3350 استماع |
الزينة والجمال | 3340 استماع |