شرح صحيح مسلم - كتاب الرؤيا [2]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني).

حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي قال: حدثنا حماد - يعني: ابن زيد - قال: حدثنا أيوب وهشام عن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني, فإن الشيطان لا يتمثل بي).

وحدثني أبو الطاهر وحرملة قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو لكأنما رآني في اليقظة, لا يتمثل الشيطان بى) .

وقال: فقال أبو سلمة : قال: أبو قتادة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني فقد رأى الحق).

وحدثنيه زهير بن حرب قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن أخي الزهري قال: حدثنا عمي. فذكر الحديثين جميعاً بإسناديهما سواءً مثل حديث يونس.

وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث .ح، قال: وحدثنا ابن رمح قال: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني في النوم فقد رآني, إنه لا ينبغى للشيطان أن يتمثل في صورتي)، وقال: (إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحداً بتلعب الشيطان به في المنام) .

وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا روح قال: حدثنا زكريا بن إسحاق حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في النوم فقد رآني, فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي) .

وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث ، ح، قال: وحدثنا ابن رمح قال: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأعرابي جاءه فقال: (إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام)].

تقدم معنا ما يتعلق بالرؤيا، وأن الرؤيا كما ثبت في السنة على ثلاثة أضرب، وأن منها الرؤيا الصالحة، والرؤيا السوء التي من الشيطان، وما يسن أن يفعل من رأى ما يكره، وإذا رأى ما يكره، وكذلك أيضاً الضرب الثالث ما يتعلق بحديث النفس.. إلخ.

قول مسلم رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود العتكي قال: حدثنا حماد - يعني: ابن زيد - قال: حدثنا أيوب وهشام عن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني, فإن الشيطان لا يتمثل بي)].

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني, فإن الشيطان لا يتمثل بي) .

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تفسير جملة: (من رآني في المنام فقد رآني).

فقيل: بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فكأنما رآني، أو فقد رآني)، يعني: كأنه رآه في اليقظة.

وعلى هذا الصورة التي رآها في المنام هي صورة النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، وهذا هو ظاهر الحديث.

الرأي الثاني: أن قوله: (من رآني في المنام فقد رآني)، أن المعنى أنه سيراني، فقد يهاجر إذا لم يكن مهاجراً، ثم بعد ذلك يرى النبي صلى الله عليه وسلم، أو سيراه في الآخرة ونحو ذلك.

والذي يظهر -والله أعلم- هو الرأي الأول، ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (فإن الشيطان لا يتمثل بي) .

فقوله: (لا يتمثل بي)، هذا دليل على أن معنى الحديث أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فكأنما رأى صورته في اليقظة.

وفيه: أن الشيطان لا يتمثل بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعلو مكانتهم ورفعة منزلتهم.

وفي هذا أيضاً: أنه إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كما وصفه أهل السير فكأنما رآه في اليقظة.

أما إذا رأى صفة على غير صفة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما هذا من تلعب الشيطان، يعني: الشيطان يتمثل بغير النبي صلى الله عليه وسلم.

فيؤخذ من الحديث أنه قد يتمثل الشيطان بغير صورة النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر أنه النبي صلى الله عليه وسلم, فهنا لم ير النبي عليه الصلاة والسلام.

قال رحمه الله تعالى: [وحدثني أبو الطاهر وحرملة قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو لكأنما رآني في اليقظة، لا يتمثل الشيطان بي)].

(أو) هذه للشك من الراوي، ويظهر -والله أعلم- أن الصواب في هذا الشك أنه (لكأنما رآني في اليقظة)، ويدل على هذا الرواية الأولى، لأن الرواية الأولى قوله: (فقد رآني).

وقوله: (فسيراني في اليقظة) سواء في ذلك، (أو لكأنما رآني في اليقظة)، ويؤيد ذلك أيضاً قوله بعد ذلك: (من رآني فقد رأى الحق).

معنى: (من رآني فقد رأى الحق)

قال: [وحدثنيه زهير بن حرب قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن أخي الزهري قال: حدثنا عمي. فذكر الحديثين جميعاً بإسناديهما سواءً مثل حديث يونس.

قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث ، ح، وحدثنا ابن رمح قال: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني فقد رأى الحق)].

فقوله: (من رآني فقد رأى الحق)، يعني: رأى الصورة الحق والصدق، وهي صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن لا بد أن يراه كما وصفه الواصفون، بمعنى: أن الشيطان لا يأتي في صورة النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه الواصفون، يأتي بصورة غير صورة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في صورة النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي، ولهذا قال: (فإن الشيطان لا يتمثل بي)، (قد رأى الحق)، يعني: رأى الصورة الحقيقية للنبي عليه الصلاة والسلام.

فتمثل الشيطان لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يتمثل بالصورة الحقيقية, بأن يسلم، وهذا ممتنع.

الثاني: أن يتمثل بغير صورة النبي صلى الله عليه وسلم موهماً أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ممكن.

قال: [وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث ، ح، وحدثنا ابن رمح قال: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني في النوم فقد رآني, إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي).

كلمة (لا ينبغي). هذه إذا جاءت على لسان الشارع فالمقصود بها الامتناع أشد الامتناع، يعني: المقصود بها أن هذا ممتنع أشد الامتناع، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)، يعني: هذا شيء ممتنع أشد الامتناع على الله سبحانه وتعالى.

ومن ذلك أيضاً أن تمثل الشيطان في صورة النبي صلى الله عليه وسلم ممتنع أشد الامتناع.

وقال: (إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحداً بتلعب الشيطان به في المنام)، وهذا تقدم معنا إذا رأى ما يكره، وأن الحلم من الشيطان, وأنه ينبغي له أنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شر ما رأى ومن شر الشيطان، وأنه ينفث ويكون ذلك ثلاثاً، وأنه لا يخبر بذلك أحداً، ويتحول من مكانه، وكذلك أيضاً يصلي.. هذه ستة أمور، تقدمت لنا.

وفيه: أن الشيطان يتسلط على ابن آدم ويتلعب به إذا نام، وخصوصاً إذا نام الإنسان على لغط أو على لهو، ولم ينم على ذكر الله عز وجل، وعلى ما يشرع أن يكون عليه النائم من الذكر والطهارة والنوم على الجانب الأيمن ونحو ذلك، فإن الشيطان يتلعب به.

قال: [وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا روح قال: حدثنا زكريا بن إسحاق قال: حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في النوم فقد رآني، فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي)].

قال: [وحدثنيه زهير بن حرب قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا ابن أخي الزهري قال: حدثنا عمي. فذكر الحديثين جميعاً بإسناديهما سواءً مثل حديث يونس.

قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث ، ح، وحدثنا ابن رمح قال: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني فقد رأى الحق)].

فقوله: (من رآني فقد رأى الحق)، يعني: رأى الصورة الحق والصدق، وهي صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن لا بد أن يراه كما وصفه الواصفون، بمعنى: أن الشيطان لا يأتي في صورة النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه الواصفون، يأتي بصورة غير صورة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في صورة النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي، ولهذا قال: (فإن الشيطان لا يتمثل بي)، (قد رأى الحق)، يعني: رأى الصورة الحقيقية للنبي عليه الصلاة والسلام.

فتمثل الشيطان لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يتمثل بالصورة الحقيقية, بأن يسلم، وهذا ممتنع.

الثاني: أن يتمثل بغير صورة النبي صلى الله عليه وسلم موهماً أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ممكن.

قال: [وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث ، ح، وحدثنا ابن رمح قال: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني في النوم فقد رآني, إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي).

كلمة (لا ينبغي). هذه إذا جاءت على لسان الشارع فالمقصود بها الامتناع أشد الامتناع، يعني: المقصود بها أن هذا ممتنع أشد الامتناع، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)، يعني: هذا شيء ممتنع أشد الامتناع على الله سبحانه وتعالى.

ومن ذلك أيضاً أن تمثل الشيطان في صورة النبي صلى الله عليه وسلم ممتنع أشد الامتناع.

وقال: (إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحداً بتلعب الشيطان به في المنام)، وهذا تقدم معنا إذا رأى ما يكره، وأن الحلم من الشيطان, وأنه ينبغي له أنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شر ما رأى ومن شر الشيطان، وأنه ينفث ويكون ذلك ثلاثاً، وأنه لا يخبر بذلك أحداً، ويتحول من مكانه، وكذلك أيضاً يصلي.. هذه ستة أمور، تقدمت لنا.

وفيه: أن الشيطان يتسلط على ابن آدم ويتلعب به إذا نام، وخصوصاً إذا نام الإنسان على لغط أو على لهو، ولم ينم على ذكر الله عز وجل، وعلى ما يشرع أن يكون عليه النائم من الذكر والطهارة والنوم على الجانب الأيمن ونحو ذلك، فإن الشيطان يتلعب به.

قال: [وحدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا روح قال: حدثنا زكريا بن إسحاق قال: حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في النوم فقد رآني، فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي)].

قال: [وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ليث ، ح، وحدثنا ابن رمح قال: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأعرابي جاءه فقال: إني حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام)].

تقدم أن الإنسان إذا رأى ما يكره فإنه لا يحدث بذلك أحداً، وأن هذا من أسباب الوقاية من هذا الحلم.

ولهذا أهل التعبير يقولون: قطع الرأس يدل على مفارقة ما فيه الإنسان من النعم، إذا كان الإنسان في شيء من النعم، فإنه إذا رأى في منامه أن رأسه قد قطع، فهذا يدل على أنه يفارق ما يكون فيه من النعم، أو إذا كان سلطاناً من السلطان أو نحو ذلك.

قال: [وحدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج، فاشتددت على أثره. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم للأعرابي: لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك)، وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد يخطب فقال: (لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه)].

في هذا دليل لخطب النبي صلى الله عليه وسلم العارضة، وقد سبق أن ذكرنا خطب النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: خطب راتبة، وهذه كخطب الجمعة والعيدين والاستسقاء وغير ذلك.

والقسم الثاني: خطب عارضة، وهي الخطب التي يخطبها النبي صلى الله عليه وسلم لسبب يحدث.

ومن الأسباب ما جاء مثل هذا السبب، كون الإنسان يرى ما يكره في منامه، ويذهب فيحدث بها في الناس.

وفيه: إرشاد الناس وتوجيههم عندما يقعون فيما يخالف السنة، وما ينبغي أن يكونوا عليه، ويقعون في ما يجهلون.

قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: (جاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رأسي قطع. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس) . وفي رواية أبي بكر : (إذا لعب بأحدكم) . ولم يذكر: (الشيطان)].

قال: [وحدثنا حاجب بن الوليد قال: حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أخبرني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أو أبا هريرة كان يحدث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ح وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي - واللفظ له - قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره أن ابن عباس كان يحدث: (أن رجلاً أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أري الليلة في المنام ظلةً تنطف السمن)].

الظلة: السحابة، وقوله: تنطف: يعني: تقطر قليلاً قليلاً.

قال: [( تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم )]. يعني: يأخذون بأكفهم [(فالمستكثر والمستقل، وأري سبباً واحداً)] - السبب: الحبل- وقوله: (واصلاً) يعني: الموصول [(واصلاً من السماء)] -يعني: حبلاً موصولاً إلى السماء- [(فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فعلا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وصل له فعلاً. قال أبو بكر : يا رسول الله بأبي أنت، والله لتدعني فلأعبرنها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعبرها. قال أبو بكر : أما الظلة فظلة الإسلام، وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن حلاوته ولينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبتُ أم أخطأتُ؟ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً.

قال: فوالله يا رسول الله! لتحدثني ما الذي أخطأت، قال: لا تقسم)].

هذه رؤيا عظيمة عبرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الرؤيا ظاهرة، وفسر أبو بكر رضي الله تعالى عنه هذه الظلة بالإسلام، تنطف السمن والعسل هذا القرآن حلاوته ولينه، و.. الخ.

المهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر : (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) .

يعني: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، ما هو الذي أصاب به أبو بكر رضي الله تعالى عنه؟ وما هو الذي أخطأ به؟

أما تفسيره للرؤيا: يعني فسر الظلة بالإسلام، والذي ينطف من السمن والعسل القرآن حلاوته ولينه، وأما الذي يتكفف فمستقل ومستكثر، فالناس، يعني: أخذهم من القرآن بين مستقل ومستكثر، والسبب الواصل إلى السماء الحق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ به ثم يأخذ به أبو بكر ثم عمر ؛ هذا كله صواب.

وقال بعض العلماء: الخطأ الذي وقع فيه أبو بكر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبرها.

وقال بعض العلماء: الخطأ الذي وقع فيه أبو بكر قوله: ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به.

نعم. قال: فينقطع به، ثم يوصل له، قالوا: هذا الذي أخطأ به؛ لأن عثمان رضي الله تعالى عنه خلع قهراً وقتل، وولي غيره؛ لأنه جاء في تفسير أبي بكر : ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له، مع أن عثمان رضي الله تعالى عنه قتل وولي غيره، فقالوا: إن هذا الذي أخطأ فيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه من الخطأ، والله أعلم.

وهذا الحديث دل على مسائل، منها:

تعبير الرؤى، في حديث سمرة رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه: (أيكم رأى الليلة رؤيا، فإن رأى أحد قصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما شاء الله أن يقوله) .

في هذا جواز تعبير الرؤى، وأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله، وفي هذا أيضاً فضيلة الإسلام، وأن الإسلام كالسحابة في أتباعه، ولا شك أن من مُنَّ عليه بالإسلام فهو على خير عظيم؛ لأن السحابة كلها خير، فهي سبب الخير والبركة والسعادة في الدنيا والآخرة.

وفي هذا أيضاً: طلب تعبير الرؤيا؛ لأن هذا الرجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص عليه لكي يعبرها النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لـأبي بكر رضي الله تعالى عنه أن يعبره.

وفي هذا أيضاً: شرف القرآن وشرف السنة، وأن الإنسان إذا أخذ من القرآن أخذ من السنة، فكلما استكثر من القرآن كلما استكثر من السنة والفقه فيهما؛ فهو يستكثر من هذا العسل وهذا السمن الذي شبه به في القرآن، ولا شك أن السمن والعسل فيهما الغذاء والفاكهة جميعاً، فهي غذاء للأبدان، وفاكهة لهما.

وفي هذا أيضاً: أن الموصل إلى الله سبحانه وتعالى هو القرآن والسنة، هذا هو السبب، وأن كل ما أخذ الإنسان بهذا السبب الموصل للقرآن والسنة، فإنه سيعلو له، يعني: كلما أخذ من القرآن وأخذ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه سيعلو في الدنيا وفي الآخرة.

وفي هذا فضيلة أبي بكر حيث علا بالقرآن.

وكذلك أيضاً فضيلة عمر حيث علا بالقرآن.

وكذلك أيضاً فضيلة عثمان رضي الله تعالى عنه، وأنه انقطع به ثم وصل له فعلا إلى آخره.

وفي هذا أيضاً معرفة أبي بكر رضي الله تعالى عنه في تعبير الرؤى.

وفيه قوله: (فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت؟ قال: لا تقسم) في هذا الإقسام من غير استقسام. وفيه أيضاً الإقسام على الغير. وفيه أيضاً: أنه لا يجب إبرار المقسم.

وأن حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: (أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بسبع وذكر منها: إبرار المقسم) أن هذا محمول على الاستحباب لهذا الحديث.

ولماذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين لـأبي بكر رضي الله تعالى عنه ما الذي أخطأ فيه وما الذي أصاب فيه؟ ولم يبر قسم أبي بكر رضي الله تعالى عنه؟

العلة في ذلك هو درأ المفسدة، لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من انقطاع السبب مع عثمان رضي الله تعالى عنه، وهو قتله، وحصول تلك الحروب والفتن، ونحو ذلك.

وفي هذا أيضاً أن من يعبر الرؤى قد يصيب وقد يخطئ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) ، قد يصيب في التعبير، وقد يخطئ في التعبير، وقد يصيب في بعض التعبير، وقد يخطأ في بعض التعبير.

وفي هذا أيضاً رد على ما انتشر عند الناس أن الرؤيا على جناح طائر، وأنه إذا عبرت وقعت, وأنها على أول تعبير، وهذا غير صحيح، وقد يعبرها المعبر لكن يخطئ، فلا يلزم من ذلك أن يكون هذا هو تعبيره، تعبيرها هو أن يبقى على ما يتوصل إليه المعبر الحق، الذي يحسن التعبير.

ولهذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه أخطأ في بعض التعبير، ومع ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل كل تعبيره هو الصواب، وفي هذا رد على ما يتوهمه بعض الناس أن الرؤيا إذا عبرت أنها على ما يعبرها أول معبر حتى وإن أخطأ، نعم قد يخطئ المعبر، فالرؤيا ليست لأول معبر, وإنما هي لمن أصاب في التعبير.

وفي هذا أيضاً: أنه لا يستحب إبرار المقسم إذا ترتب على إبراره مفسدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين له ذلك، وأنه سيترتب على ذلك مفسدة، وهي ما يتعلق بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه, وحصول الفتن إلى آخره.