شرح صحيح مسلم - كتاب الفضائل [5]


الحلقة مفرغة

قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى: [ باب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً:

حدثنا سعيد بن منصور ، وأبو الربيع ، قالا: حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أفاً قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا)؟ زاد أبو الربيع : ليس مما يصنعه الخادم، ولم يذكر قوله: والله.

وحدثناه شيبان بن فروخ ، قال: حدثنا سلام بن مسكين ، قال: حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بمثله.

وحدثناه أحمد بن حنبل ، وزهير بن حرب جميعاً عن إسماعيل -واللفظ لـأحمد - قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز عن أنس ، قال: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن أنساً غلام كيس فليخدمك. قال: فخدمته في السفر والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لمَ لم تصنع هذا هكذا

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن نمير ، قالا: حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا زكريا ، وحدثنا سعيد وهو ابن أبي بردة ، عن أنس ، قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، فما أعلمه قال لي قط: لمَ فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئاً قط).

حدثني أبو معن الرقاشي زيد بن يزيد ، حدثنا عمر بن يونس ، قال: حدثنا عكرمة وهو ابن عمار ، قال: قال إسحاق : قال أنس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟ قال: قلت: نعم. أنا أذهب يا رسول الله! قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا

وحدثنا شيبان بن فروخ ، وأبو الربيع ، قالا: حدثنا عبد الوارث ، عن أبي التياح ، عن أنس بن مالك ، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً)].

خدمة أنس بن مالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين وحسن خلقه

حديث أنس بن مالك ، قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أفاً قط، ولا قال لي شيء: لم فعلت كذا)، وهلا فعلت كذا؟ زاد أبو الربيع : ليس مما يصنعه الخادم، ولم يذكر قوله: والله.

هذا الحديث اشتمل على مسائل:

أولاً: خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة الأولى من الهجرة، وفي هذا الحديث أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وسيأتينا في بعض الروايات: أنه خدمه تسع سنوات، ويجمع بين الروايتين أن أنساً رضي الله تعالى عنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنوات وأشهراً؛ لأن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنوات، وهو خدمه في بعض السنة الأولى إلى أن مات عليه الصلاة والسلام.

وفي هذا فضيلة أنس حيث شرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وشاهد كثيراً من أحواله، وسمع الكثير من أقواله، ونقل كثيراً من سنته، فملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم هيأت أنساً لكي ينقل كثيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه أيضاً حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع الصبيان والخدم .. إلى آخره، حيث قال أنس : (والله ما قال لي: أفاً)، يعني: تأفف، بمعنى التضجر، وقيل: بأن معناها الاحتقار، وأصلها الوسخ الذي يكون في الأظافر، فهي تقال عند التضجر، فلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23], قيل: أو الاحتقار، فأف هذه لغة من لغات عشر فيها.

الاستدراك على الخادم

قال: (ولا قال لشيء: لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا)؟ وهذا يدل على كبير حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، مجرد كلمة: (أف) لم يقلها للخادم، وأيضاً إذا أخطأ الخادم لم يستدرك عليه، وهذا يدل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يؤخذ من هذا أنه لا يستدرك على الخادم؟

الذي يظهر والله أعلم أن يقال: بأن هذا ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الاستدراك على الخدم بغرض التوجيه والإرشاد، فإن هذا جائز ولا بأس به، ولا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا من باب النصيحة، ومن باب التعاون على الخير والبر، لأن هذا هو عمل الخادم.

القسم الثاني: الاستدراك عليه بغرض التضجر منه والعتاب والعقاب ونحو ذلك، فيظهر أن هذا هو الوارد في حديث أنس رضي الله تعالى عنه.

اتخاذ الخدم واستخدام الصغار برضا أهليهم

حديث أنس ، قال: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن أنساً غلام كيس فليخدمك. قال: فخدمته في السفر والحضر، والله ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لمَ لم تصنع هذا هكذا)؟

وفي هذا اتخاذ الخدم، وفي هذا أيضاً خدمة الكبار والمتبوعين، وفي هذا أيضاً محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، ورغبتهم في خدمته.

وفي هذا أيضاً استعمال الصغار واستخدامهم إذا رضي أهلوهم، فإن هذا جائز ولا بأس به، لأن أنساً كما في هذا الحديث أتى به أبو طلحة -وهو زوج أمه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكي يخدمه.

وفي هذا أيضاً السفر بالصغار للخدمة، وفي هذا أيضاً شدة ملازمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث خدمه في السفر وفي الحضر.

قوله: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن نمير ، قال: حدثنا محمد بن بشر ، قال: حدثنا زكريا ، قال: حدثني سعيد وهو ابن أبي بردة ، عن أنس ، قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئاً قط)].

هنا قال: (تسع)، وما سبق قال: (عشر)، والجمع بينهما أنه خدمه تسع سنوات وأشهراً؛ لأن أنساً لم يبدأ خدمته مع النبي صلى الله عليه وسلم من حين قدومه، بل بعد أن مضى بعض أشهر من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، جاء أبو طلحة بـأنس للنبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه عدم العيب على الخادم، وتقدم أن هذا ينقسم إلى قسمين.

أقسام حسن الخُلق

قوله: [وحدثني أبو معن الرقاشي زيد بن يزيد، قال: أخبرنا عمر بن يونس ، قال: حدثنا عكرمة وهو ابن عمار ، قالا: قال إسحاق عن أنس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟ قال: قلت: نعم. أنا أذهب يا رسول الله! قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال شيء صنعته لم فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا)؟].

قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً)، المقصود بالخلق: هو الصورة الباطنة، والخلق هو الصورة الظاهرة، والنبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وخلقاً، وحسن الخلق عرف بتعاريف كثيرة، ومن أحسن هذه التعاريف أنه: كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.

وحسن الخلق ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: فطري، فبعض الناس يفطر على حسن الخلق؛ من العفو، والتسامح، والحلم، والكرم، والشجاعة ونحو ذلك.

ومنه ما هو مكتسب فيستطيع الإنسان أن يكتسب بعض صفات حسن الخلق، يستطيع أن يربي نفسه على الكرم، وعلى الشجاعة، وعلى الصبر، وعلى الحلم ونحو ذلك، والحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم، ومن يصبر يصبره الله، فإذا ربى نفسه على حسن الخلق فإنه يتمكن بإذن الله عز وجل من حسن الخلق.

قال: (فقلت: والله لا أذهب)، يظهر والله أعلم أن أنساً لم يرد معصية النبي صلى الله عليه وسلم، كيف وقد جاء لكي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولهذا قال: (وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم)، لكن يظهر والله أعلم أنه أراد ممازحة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا، لأنه أضمر في باطنه أنه سيذهب.

قوله: (فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق)، فيه لعب الصبيان في السوق، وأن هذا لا ينكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر مثل هذه الأشياء.

وفيه أيضاً اللعب بالنسبة للصبيان، وأن الصبيان يوسع لهم في اللعب ما لا يوسع لغيرهم، ولهذا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (اقدروا الجارية حديثة السن قدرها)، يعني: أن ما يتعلق بالألعاب ونحو ذلك، هذه يوسع بالنسبة للصبيان ما لا يوسع للكبار.

وفي هذا القبض على قفا الصبي من باب الملاعبة ونحو ذلك، وفي هذا ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود هو تبسمه، وفيه الضحك إلى الصبيان.

وفيه أيضاً التصغير بغرض التمليح، يعني: تصغير الاسم، وتصغير الأسماء لها أغراض، من أغراضها: التمليح، فقوله: (يا أنيس إلى ..آخره)، النبي صلى الله عليه وسلم صغر اسمه بغرض التمليح والممازحة، وليس بغرض التقبيح.

حديث أنس بن مالك ، قال: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أفاً قط، ولا قال لي شيء: لم فعلت كذا)، وهلا فعلت كذا؟ زاد أبو الربيع : ليس مما يصنعه الخادم، ولم يذكر قوله: والله.

هذا الحديث اشتمل على مسائل:

أولاً: خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم كانت في السنة الأولى من الهجرة، وفي هذا الحديث أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وسيأتينا في بعض الروايات: أنه خدمه تسع سنوات، ويجمع بين الروايتين أن أنساً رضي الله تعالى عنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنوات وأشهراً؛ لأن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنوات، وهو خدمه في بعض السنة الأولى إلى أن مات عليه الصلاة والسلام.

وفي هذا فضيلة أنس حيث شرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وشاهد كثيراً من أحواله، وسمع الكثير من أقواله، ونقل كثيراً من سنته، فملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم هيأت أنساً لكي ينقل كثيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه أيضاً حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع الصبيان والخدم .. إلى آخره، حيث قال أنس : (والله ما قال لي: أفاً)، يعني: تأفف، بمعنى التضجر، وقيل: بأن معناها الاحتقار، وأصلها الوسخ الذي يكون في الأظافر، فهي تقال عند التضجر، فلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23], قيل: أو الاحتقار، فأف هذه لغة من لغات عشر فيها.

قال: (ولا قال لشيء: لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا)؟ وهذا يدل على كبير حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، مجرد كلمة: (أف) لم يقلها للخادم، وأيضاً إذا أخطأ الخادم لم يستدرك عليه، وهذا يدل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يؤخذ من هذا أنه لا يستدرك على الخادم؟

الذي يظهر والله أعلم أن يقال: بأن هذا ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الاستدراك على الخدم بغرض التوجيه والإرشاد، فإن هذا جائز ولا بأس به، ولا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا من باب النصيحة، ومن باب التعاون على الخير والبر، لأن هذا هو عمل الخادم.

القسم الثاني: الاستدراك عليه بغرض التضجر منه والعتاب والعقاب ونحو ذلك، فيظهر أن هذا هو الوارد في حديث أنس رضي الله تعالى عنه.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح صحيح مسلم - كتاب الرؤيا [2] 2222 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الألفاظ 2043 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الرؤيا [1] 2039 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الشعر 1895 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الطب والرقى [2] 1766 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الطب والرقى [7] 1764 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الفضائل [4] 1724 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الطب والرقى [10] 1717 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الطب والرقى [3] 1701 استماع
شرح صحيح مسلم - كتاب الفضائل [1] 1684 استماع