غزوة الرجيع


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:

فنحن في هذه الليلة -أيها الإخوة- مع قصة من بطولات الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وما أصابهم من الأذى، وما حصل لهم من الشهادة في سبيل الله، وصبر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المصاب العظيم هو والمسلمون معه، وذلك في هذه القصة التي حصلت في غزوة الرجيع، وقد رواها أبو هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عيناً، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى كانوا بين عسفان ومكة ذُكروا لحيٍ من هذيل يُقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريبٍ من مائة رامٍ واقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمرٍ تزودوه من المدينة ، فقالوا: هذا تمر يثرب ، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً.

فقال: عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفرٍ بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجلٌ آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلو أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: أي المسلم الذي كان معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم، فجروه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه.

وانطلقوا بـخبيب وزيد حتى باعوهما بـمكة، فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدر ، فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا قتله، استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها، فأعارته، قال: فغفلت عن صبيٍ لها فدرج إليه حتى أتاه، فوضعه على فخذه فلما رأته فزعتُ منه وفي يده الموسى فقال: أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله.

وكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بـمكة يومئذٍ ثمرة، وإنه لموثقٌ في الحديد، وما كان إلا رزقٌ رزقه الله، فخرجوا به إلى الحرم ليقتلوه فقال: دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال: [لولا أن تروا أن ما بي جزعٌ من الموت لزدت] فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: [اللهم أحصهم عددا ...].

ولست أبالي حين أقتل مسلماً     على أي شقٍ كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشـأ     يبارك على أوصال شلوٍ ممزع

ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريشٌ إلى عاصم ليأتوا بشيءٍ من جسده يعرفونه، وكان عاصم قد قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر ، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء.

هذه القصة هي غزوة الرجيع ، والرجيع اسم موضع من بلاد هذيل كانت فيه هذه الوقعة، وتُسمى أيضاً رعلٍ وذكوان، وهذان البطنان من بطون العرب نسبت الغزوة إليهما، وتسمى أيضاً قصة بئر معونة وهو موضع بين مكة وعسفان وهذه الأسماء الثلاثة لهذه الوقعة التي تُعرف بسرية القراء، وكانت مع بني رعل وذكوان المذكورين.

أما بالنسبة لهذه القصة فقد ذكر أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية عيناً، وهذه السرية كانت عشرة أشخاص عيناً تتجسس للنبي صلى الله عليه وسلم ليأتوه بخبر قريش، وكانوا: عاصم بن ثابت ، ومرثد بن أبي مرثد ، وخبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعبد الله بن طارق ، وخالد بن البكير ، وزاد بعض أهل السير معتب بن عبيد وكذلك معتب بن عوف ، هؤلاء الذين أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم عاصم بن ثابت .

أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة التي قيل إنها غزوة الرجيع أو بئر معونة ولكن الصحيح أن هذه الغزوة تسمى غزوة الرجيع، وكانت سرية عاصم وخبيب في عشرة أنفس، وحصل القتال فيها مع عضل والقارة، وهذه عضل: بطن من بطون مُضر، وأما القَاَرة فهي أيضاً بطن من بطون العرب، ويُقال أن القَاَرة أكمة سوداء فيها حجارة نزلوا عندها فسميت القبيلة بها، ويضرب بهم المثل في إصابة الرمي، وقال الشاعر:

قد أنصف القارة من راماها

فالصحيح والراجح كما ذكر ابن حجر رحمه الله أن قصة عضل والقارة كانت في غزوة الرجيع ، وليس في بئر معونة ، فإذاً غزوة الرجيع وبئر معونة ، هما غزوتان منفصلتان، غزوة الرجيع في آخر سنة (3هـ) وبئر معونة في أول سنة (4 للهجرة) وبالنسبة ليوم الرجيع قدم على النبي عليه الصلاة والسلام رهط من عضل والقارة، فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا -انظر الغدر- فأرسل إلينا أناس من أصحابك يفقهوننا، فبعث معهم ستةً من أصحابه، وعليهم عاصم بن ثابت .

إذاً.. هذه القصة هي غزوة الرجيع التي فيها سرية عاصم بن ثابت كانت مع عضل والقارة، أما سرية القراء السبعين التي كانت مع رعل وذكوان فإنها تسمى بئر معونة . فإذاً.. هما غزوتان منفصلتان، وإن كان الإمام البخاري رحمه الله تعالى قد ترجم ترجمةً تُشعر أنهما شيء واحد، ولكن على التحقيق فإنهما غزوتان منفصلتان، والنبي عليه الصلاة والسلام أرسل ستة من أفاضل أصحابه إلى هؤلاء العرب الذين ادعوا أن فيهم إسلاماً، وأنهم يريدون أناساً يفقهونهم في الدين، أرسل لهم هؤلاء الأفاضل وأمّر عليهم عاصم بن ثابت، وكانوا معهم حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ، قال في الرواية: " ذُكروا لحيٍ من هذيل يقال له بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ " وقد جاء أنهم مائتا رجل، فيحمل على أنهم مائة رامٍ، ومائة غير رماة، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمرٍ، نزل هؤلاء الصحابة بـالرجيع وأكلوا تمر عجوة، فسقطت نواة في الأرض، وكان هؤلاء يسيرون في الليل ويكمنون بالنهار، فقيل إن امرأة من هذيل ترعى الغنم رأت النواة، فأنكرت صغرها وقالت: هذا تمر يثرب، أي: هذا النوى صغير ليس بأرضنا، فصاحت في قومها أُتيتم، فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد كمنوا في الجبل، فلحقوهم والتجأ الصحابة إلى فدفد، والفدفد هو الرابية المشرفة المرتفع من الأرض.

فأراد هؤلاء خداع الصحابة، قالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألا نقتل منكم رجلاً، الصحابة ستة والكفار مائتا رجل، قالوا: والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب منكم شيئاً من أهل مكة .

فقال عاصم وهو أميرهم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، ولا أقبل اليوم عهد مشرك، ولما حصل هذا دعا الله فقال: اللهم اخبر عنا رسولك، فاستجاب الله دعاء عاصم وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بالخبر في ذلك اليوم أن هؤلاء قد أصيبوا، ورفض عاصم رضي الله عنه، فأخذوا هؤلاء فقاتلوهم فقتل من قتل، وبقي خبيب وزيد ورجلٌ آخر.

فأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ، وعبد الله بن طارق فسلموا أنفسهم فربطوهم فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، أي: إذا كان من أولها أنهم ربطوهم، فهذا بداية الغدر، ولذلك لما كانوا بـمر الظهران انتزع الرجل الثالث وهو عبد الله بن طارق ، انتزع يداه وأخذ سيفه وقاتلهم وقُتل، وبقي اثنان: خبيب وزيد ، حتى باعوهما بـمكة ، فلما أتى هؤلاء الكفار إلى مكة وباعوا زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي إلى كفار قريش، فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل.

وكان لبني الحارث بن عامرثأر من خبيب؛ لأن خبيباً كان قد قتل كبير العائلة يوم بدر ، وهو الحارث بن عامر ، قتله يوم بدر ، إذاً: خبيب بن عدي رضي الله عنه شهد بدراً ، فهو من أفاضل الصحابة لأنه بدري، ثم إنه قتل الحارث بن عامر القرشي.

وكانت القضية في الجاهلية هي الثأر، فأرادوا أن يقتلوا خبيباً مكان قتيلهم الذي قتله، فاشتروه وأسروه عندهم وربطوه في بيتٍ لهم، ومكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا قتله، قيل أنهم كانوا في شهر حرام، وأرادوا أن ينتظروا حتى يخرج الشهر الحرام ثم يقتلوه، انتظروا حتى يخرج الشهر الحرام وأخذوهما إلى التنعيمالتنعيم خارج الحرم كما هو معروف؛ المكان الذي فيه مسجد عائشة - هذا المكان الذي قُتل فيه خبيب وزيد رضي الله عنهما، فقيل أنهم أساءوا إليه في أسره، فقال لهم وهو أسير: [ما تصنع القوم الكرام هذا بأسيرهم] فأحسنوا إليه بعد ذلك، وجعلوه عند امرأة تحرسه، فيقال أن خبيباً قال لهذه المرأة واسمها موهب ، قال لها: [أطلب إليك ثلاثاً: أن تسقيني العذب، وأن تجنبيني ما ذبح على النصب، وأن تعلميني إذا أرادوا قتلي].

فالصحابي يطلب أن يأتوا له بطعام حلال، لا يأتوا له بشيءٍ ذُبح على النصب، والنصب: هي الأصنام، وقال الله تعالى: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3] فهو من المحرمات، فأبقوه عندهم حتى انتهت الأشهر الحرم وأجمعوا على قتله، حتى إذا أجمعوا على قتله أراد رضي الله عنه أن يتجهز ويستحد، والاستحداد: هو حلق شعر العانة، وهو من سنن الفطرة الذي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (خمسٌ من الفطرة وذكر منها: الاستحداد) وحلق الشعر بالموسى، ولذلك سميت العملية بالاستحداد وهو حلق شعر العانة بالحديد، أو بالموسى وهي من سنن الفطرة التي قيل أن الله تعالى قد أمر بها إبراهيم الخليل: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [البقرة:124] قال ابن عباس رضي الله عنه: [خمسٌ في الرأس وخمسٌ في الجسد، فمنها الاستحداد، ومنها المضمضة والاستنشاق، واللحية، ونتف الإبط، وقص الأظفار، وحلق العانة، والختان].

ويدخل أيضاً في سنن الفطرة غسل البراجم والأشاجع وهي مفاصل الأصابع ومعاقب الأصابع، وكذلك يدخل فيها قص الشارب، وهو قص ما طال عن الشفة العليا مع تخفيف الشارب، فأما قص الأظفار وحلق العانة ونتف الإبط فقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين أربعين يوماً لا تجوز الزيادة عليها، كما جاء في حديث أنس بن مالك وهو حديثٌ صحيح.

إذاً هذه الثلاثة: قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار السنة جاءت بأن لا يُزاد على أربعين يوماً فلا يجوز تركها أكثر من أربعين يوماً، وذكر بعض أهل العلم أن الشعر والأظفار يتعاهد كل أسبوع، وذكر بعضهم أنه يكون في الجمعة.

والشعر والأظفار يختلف باختلاف الأشخاص، فبعض الأشخاص تطول أظفاره وشعره بسرعة، وبعضهم ببطئ المهم أنه لا يترك أكثر من أربعين يوماً، هذه ثلاثة لا تترك أكثر من أربعين يوماً وهذا توقيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يفيد أنه لو ترك أكثر من أربعين يوماً فإنه يأثم.

فأما الاستحداد: وهو حلق العانة فيكون بالحديد أو الموسى أو الشفرة أو ما شابه ذلك، هذه هي السنة وهذا هو الأفضل، لكن إذا استعمل أي مزيلٍ آخر جاز ذلك، والمقصود الإزالة، والسنة أن يكون حلقاً لأنه يؤدي إلى اشتداد الموضع وهذا من مصلحة البدن في هذا المكان.

وأما بالنسبة لنتف الإبط فإن نتف الشعر يؤدي إلى إضعاف الجلد، وهذا مصلحة الجلد في هذا المكان، حيث الإبط فيه رائحة العرق الكريهة، فإذا ضعف المكان بالنتف صارت الرائحة أخف والعرق أقل، ولذلك كانت السنة في النتف، ولكن قد لا يقوى بعض الناس على ذلك، ولا بأس أن يحلقها أو يزيلها بالنُورة أو أي مزيلٍ آخر، كل ذلك لا بأس به بالنسبة للإبط والعانة.

ومن تعاهده بالنتف فإنه يستمر على هذا ولا يكاد يؤلمه أو يؤذيه، ولكن من تركه وكبر عليه ربما أنه يؤلمه، على أية حال فالمقصود الإزالة.

وأما بالنسبة لقص الأظفار؛ فقد ذكر بعض أهل العلم أنه يبدأ بأظافر اليد اليمنى ثم اليسرى، وقال بعضهم يبدأ بالمسبحة لأنها موضع الشهادة لكن لا دليل عليه، ولكن استحسنه بعض أهل العلم، ثم ما على يمينها ثم إبهام اليمنى، ثم بعد ذلك اليسرى، وأما قص الشارب فإنه يقص ما طال عن الشفة العليا ولا يتركه يطول، وهو مؤذ وربما كان مجلبةً للجراثيم عند الشرب.

قال هذا: حتى إذا أجمعوا على قتله استعار موسى ليستحد بها - خبيب رضي الله عنه- تقول المرأة: حُبس خبيب في بيتي وقد اطلعت عليه يوماً وإن في يده لقطفاً من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، من كرامة الله لـخبيب أوتي قطفاً من عنب كرامة من الله عز وجل، واستعار الموسى ليستحد بها، فغفلت المرأة التي تحرسه عن صبيٍ لها، قيل أن هذا الصبي هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل والصبي هذا دّب وحبا إلى خبيب على حين غفلة من المرأة، فأخذه خبيب فأجلسه عنده.

وفي رواية فأخذ خبيب بيد الغلام فقال: هل أمكن الله منكم؟ فقالت: ما كان هذا ظني بك فرمى لها الموسى وقال: إنما كنت مازحاً، وفي رواية ما كنت لأغدر، وفي رواية: إن هذه المرأة قال لها خبيب حين حضره القتل: ابعثي لي بحديدة أتطهر بها، أي: ليلاقي الله عز وجل وقد تنظف وتطهر، فأراد أن يزيل الشعر قبل القتل، فأعطته هذه الحديدة، وغفلت عن الصبي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه...

تقول المرأة: لقد رأيته يأكل من قطفٍ من عنب وما بـمكة يومئذ ثمرة، وما كان إلا رزقٌ رزقه الله، أي: رزقه الله خبيباً، وهذا من الأدلة على كرامات أولياء الله عز وجل.

وقد كانت هذه آية للكفار ليروا كرامة الله تعالى للمسلمين، وكرامة المسلمين لا شك أنها من اتباعهم لنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فخرق الله العادة، وجعل في يد خبيب قطفاً من العنب، وأكرمه الله عز وجل بذلك، كما ظهرت الكرامة لـعاصم ، لما أراد كفار قريش أن يأتوا بقطعة منه، فلكي لا تنتهك حرمته ويأخذ العدو شيئاً منه أرسل الله مثل النحل فأحاطه وظلله فلم يستطع أحد أن يقترب منه، وهذا دليلٌ على كرامات أولياء الله تعالى.

وكرامات أولياء الله عند أهل السنة والجماعة ثابتة بخلاف المعتزلة ، وهي دون معجزات الأنبياء مخالفاً بذلك لمذهب الأشاعرة ، الذين يقولون: كل ما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي.

و المعتزلة نفوا الكرامات بالكلية، والأشاعرة قالوا: المعجزات والكرامات يمكن أن تكون سواء، وأهل السنة قالوا: بإثبات الكرامات ولكن الكرامات أقل من منزلة معجزات الأنبياء، والكرامة عبارة عن خرق للعادة، يخرقه الله كرامة لأهل طاعته وولايته، مثل بعض الصحابة الذين مشوا على الماء، والعادة أن الإنسان لا يمشي على الماء، ومثل غلام أصحاب الأخدود، مشى على الماء لما غرق القارب وجاء يمشي إلى الملك.

وكذلك الجبل اضطرب وتدهده بهم وماتوا وهو جاء يمشي إلى الملك، وكلما حاولوا قتله لم يستطيعوا، فهذه كرامة.

ومريم: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً [آل عمران:37] كانت تؤتى بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، هذه من كرامات الأولياء.

و خبيب رضي الله تعالى عنه أوتي عنباً في مكة وليس في مكة شيء منه، وعاصم بعث الله له هذا الدبر لكي يحميه ولا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً، فإن قال قائل: ما هو الفرق بين خوارق كرامات الأولياء وبين الخوارق التي هي للدجالين والمشعوذين، فإننا ربما نرى لهم خوراق؟

فنقول: الفرق هو أن الخوارق كرامة للأولياء، وأما للمشعوذين أو الدجالين أو السحرة أو الكهنة، أو أتباع الشياطين فهي استدراج، والفرق المهم جداً جداً هو حال هذا وحال هذا، حال الولي وحال المشعوذ، هذا موحد وهذا مشرك، هذا يتبع سبيل الأنبياء، وهذا يتبع سبيل الشياطين، هذا هو الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن.

لما أخرج خبيب خارج الحرم ليقتلوه، وكانوا لا يقتلون داخل الحرم قال: دعوني أصلي ركعتين، فكان أول من سن الركعتين عند القتل خبيب رضي الله عنه، فمن السنة لمن يُقدم للقتل أن يصلي ركعتين، سواءً للأعداء أو لقتل القصاص أو أي قتل، فلما صلى ركعتين قال لكفار قريش - وهذا طبعاً من الحرب النفسية عليهم- لولا أن تروا أن ما بي جزعٌ من الموت لزدت، أي: أخشى إن صليت أربع وست وعشر تقولون: هذا خائف من الموت وجالس يؤخر القتل بالصلاة، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا - أي: متفرقين- ولا تبق منهم أحداً، ومن ثم قال: اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه.

وكذلك وقع في رواية: فلما رفع على الخشبة، استقبل الدعاء، فلبد رجلٌ في الأرض خوفاً من دعائه، واحد من الكفار التصق بالأرض، ونزل مباشرة فقال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، فلم يحل الحول ومنهم أحدٌ حي -وهذه كرامة أخرى- كلهم ماتوا غير ذلك الرجل الذي لبد بالأرض.

وقال معاوية بن أبي سفيان كنت مع أبي فجعل يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب ، لأنه يدعو على هؤلاء، فهذا نزل لكي لا يكون من هؤلاء، فيقول معاوية: جعل أبو سفيان يلقيني إلى الأرض حين سمع دعوة خبيب ، وكانوا يرون أن الدعوة في الحرم مستجابة، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام بلغه سلام خبيب ورد عليه السلام، المهم أنه نظم هذه القصيدة العظيمة الأبيات:

ما إن أبالي..

أو في رواية أخرى

فلست أبالي حين أقتل مسلماً

وقيل إنه قد قال قبل ذلك:

لقد أجمع الأحزاب حولي وألبوا     قبائلهم واستجمعوا كل مجمعِ

إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي     وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي

في ثلاثة عشر بيتاً ساقها ابن إسحاق ، ومنهم من يُنكر نسبتها لـخبيب ، ولكن قد ثبت في صحيح البخاري أنه قال هذه الأبيات:

ولست أبالي حين أقتل مسلماً     على أي شقٍ كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ     يبارك على أوصال شلوٍ ممزع

أما الأوصال: جمع وصل وهو العضو، والشِلو بكسر السين: هو الجسد، والممزع: المقطع، فهو يقول: لست أبالي إذا قطعوا جسدي قطعة قطعة، ما دام ذلك في سبيل الله.

ثم قام إليه بعد هذه الأبيات عقبة بن الحارث فقتله، وقيل إنهم لما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه: أتحب أن محمداً مكانك؟ قال: لا والله العظيم، ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه.

وبعثت قريش إلى عاصم ليأتوا بشيءٍ من جسده يعرفونه وكان قد قتل عظيماً من عظمائهم، ولكن الله سبحانه وتعالى حماه بالظلة من الدبر، الظلة: السحابة، والدبر: ذكور النحل، فجاءت سحابة من الزنابير فظللت على عاصم فوفد أصحاب قريش الذين ذهبوا ليقتطعوا رأس عاصم ويأتوا به، ومنعتهم هذه السحابة من الزنابير، فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئاً، فجعلت تطير في وجوههم فتلسعهم، فلم يستطيعوا أن يأتوا منه بشيء، وذلك أن عاصماً أعطى الله عهداً ألا يمسه مشرك، ولا يمس مشركاً أبداً.

ولذلك لما بلغ عمر رضي الله عنه قال: [يحفظ الله العبد المؤمن بعد حياته كما حفظه في حياته].

وهذا الحديث يدل على جواز رفض أمان المشرك؛ لأن المشرك قد يخدع كما حصل هنا، ولذلك لو قالوا نعطيك الأمان وتسلم نفسك فله أن يقاتلهم ويرفض الأمان، وله أن يأخذ بالأمان حسب ما يرى المسلم ويشتهي، فلو قالوا له سلم نفسك أو نقتلك، فقاتلهم ورفض الأمان، قالوا: نعطيك الأمان سلم نفسك، فله الحق، أن يقاتلهم إلى أن يُقتل، أو أنه يسلم نفسه حسب ما يرى.

عاصم قد أخذ بالشدة، وبالعزيمة ورفض الأمان، وقاتلهم حتى مات.

وفيه كذلك التورع عن قتل أولاد المشركين لأنهم أطفال، والمولود يولد على الفطرة، وكذلك صلاة الركعتين عند القتل، وإثبات كرامات الأولياء كما تقدم.

وكذلك فيه هز معنويات الكفار، كما فعل خبيب رحمه الله تعالى، والحرب النفسية عليهم، وأن الله تعالى يبتلي المسلمين بما يشاء.

وكذلك فيه إجابة دعاء المسلم حياً وميتاً وإكرامه، استجاب الله دعاء المسلم بعد موته، فما وصلوا إليه.

كذلك في هذا الحديث ما كان عليه المشركون من تعظيم الأشهر الحرم، وهذا يعني أن المسلم ينبغي أن يكون أولى بالحفاظ أو المحافظة على الأشهر الحُرم.

معنى ( أجود من الريح المرسلة )

السؤال: ما معنى أن جبريل عليه السلام عندما كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان كان عليه الصلاة والسلام أجود من الريح المرسلة.

الجواب: الريح المرسلة تأتي بالسحاب وفيه مطر، خير عظيم، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

ركعتي طواف الوداع

السؤال: هل لطواف الوداع ركعتين؟

الجواب: نعم في كل طواف وداع ركعتين، وفضل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والمدينة بألف صلاة.

كيفية الصلاة لكبير السن

السؤال: كيف يصلي كبير السن جداً؟

الجواب: إن لم يستطع قائماً فقاعداً متربعاً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، وإذا كان لا يستطيع الوضوء يتيمم.

زكاة الأسهم

السؤال: هل هناك زكاة في الأسهم؟

الجواب: بالنسبة للأسهم إذا اتخذت للبيع والشراء فالزكاة في قيمتها كلها وأرباحها عند حلول الحول، وإذا كانت هذه لأجل أخذ الأرباح فقط وتبقى الأصول، فالزكاة في الأرباح فقط إذا حال عليها الحول، فإذا كان قد اتخذها للاستثمار ثم نوى البيع فيبدأ الحول من نية البيع، كعروض التجارة.

سؤال الشهادة

السؤال: هل يجوز للإنسان أن يسأل الشهادة له وللمسلمين؟

الجواب: لا بأس أن يسأل الإنسان الشهادة له ولإخوانه المسلمين.

من أدرك الإمام وقد قام من الركوع في الركعة الأخيرة

السؤال: إذا أتيت المسجد والإمام قد قام من الركوع في الركعة الأخيرة؟

الجواب: إذاً.. لم تدرك الجماعة ولكن لك أجر نية حضور الجماعة.

دخول النساء في تحديد الأربعين يوماً لحلق العانة

السؤال: النساء هل يدخلن في تحديد الأربعين يوماً؟

الجواب: مثل الرجال بطبيعة الحال.

حكم الدعاء على شاهد الزور

السؤال: ما حكم الدعاء على شاهد الزور؟

الجواب: جائز، ولكن إذا دعوت له أفضل من أن تدعو عليه.

(عود الضمير في قوله تعالى: (وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

السؤال: إلى أين يعود الضمير في قوله تعالى: وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].. وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال:8]؟

الجواب: الضمير يعود إليهم، أي: ولو كرهوا فإن الله سيأتي بوعده عز وجل.

الزكاة في الأراضي

السؤال: عندي ثلاث أراضٍ الأولى للسكن، والثانية سوف أبيعها، والثالثة أجعلها استراحة، فعلى أيها أزكي؟

الجواب: إذاً الزكاة في التي ستبيعها فقط.

مكان قتل خبيب

السؤال: هل قتلوه في المسجد الحرم أم في التنعيم؟

الجواب: في التنعيم خارج الحرم.

حكم إتيان الزوجة الحائض

السؤال: توقف دم الحيض فتطهرت المرأة وجامعها زوجها، وبعد ذلك تبين أن هناك دماً لا زال ينزل؟

الجواب: إذا حصل ذلك عن خطأ فالاستغفار فقط، وإذا حصل عن عمد فالكفارة، وهي مثقال من الذهب يخرجه (دينار أو نصف دينار) كما جاء في الحديث الحسن عند الترمذي وغيره.

إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للركعتين قبل القتل

السؤال: هل أقر النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي القتل؟

الجواب: نعم أقرهما ولم ينكرهما، وقد بلغته القصة ولم ينكرها.

الكفاية في الزكاة

السؤال: ما هي الكفاية في الزكاة؟

الجواب: نفقة سنة، يقول العلماء في تعريفها في باب الزكاة هي: نفقة سنة.

جواز صلاة المفترض بعد المتنفل

السؤال: هل أصلي مع الإمام التراويح بنية العشاء أو أصلي مع الجماعة الثانية؟

الجواب: أنت مخير، وللتشويش قلنا يصلي مع الإمام.

تربية الأولاد

السؤال: يأخذ أولادي وقتاً كثيراً مني في تربيتهم؟

الجواب: نعم. لأنك مكلفٌ بهم: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] ولعلك تدمج تربيتهم بحفظك ومراجعتك القرآن معهم، حتى تُوفر وقتاً لذلك مع تربيتهم.

حكم إخراج الزكاة من البلد

السؤال: هل يجوز إرسال الزكاة إلى بلد آخر؟

الجواب: إذا وجد سبب كشدة فقر، أو قريب فقير.

ما يقال عند الرفع من الركوع

السؤال: بعد الرفع من الركوع ماذا يُقال؟

الجواب: يكرر ربنا ولك الحمد يكررها مراتٍ كثيرة.

حكم من خلع الإحرام ولم يقصر

السؤال: اعتمر رجلٌ معنا وبعد السعي خلع الإحرام ولبس الملابس ولم يُقصر؟

الجواب: إذا كان جاهلاً أو ناسياً يتجرد من المخيط فوراً، ويقصر ويلبس المخيط بعد ذلك.


استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3615 استماع
التوسم والفراسة 3614 استماع
مجزرة بيت حانون 3543 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3500 استماع
اليهودية والإرهابي 3429 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3429 استماع
حتى يستجاب لك 3396 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3376 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3350 استماع
الزينة والجمال 3339 استماع