سلسلة منهاج المسلم - (45)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد درسنا الآداب ونحن في آخرها، فقد درسنا الأدب مع الله عز وجل .. الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم .. الأدب مع الآباء .. مع الإخوان .. مع الأقارب .. مع الجيران، والأدب مع الكافرين أيضاً، وها نحن مع الأدب مع الحيوان. وهل الحيوان له آداب نلتزم بها؟ نعم.

قال المؤلف: [ المسلم يعتبر أغلب الحيوانات خلقاً محترماً ] المسلم ذو الإسلام الصحيح الواعي البصير العارف العليم يعتبر أغلب الحيوانات خلقاً محترماً [ فيرحمها برحمة الله تعالى لها، ويلتزم نحوها بالآداب التالية:]

أولاً: إطعامها إذا جاعت وسقيها إذا ظمئت

[ أولاً: إطعامها وسقيها إذا جاعت وعطشت ] إطعامها إذا جاعت، وسقيها إذا ظمئت؛ وذلك [ لقول الرسول عليه أزكى السلام: ( في كل ذات كبد حراء أجر ) ] ( في كل ذات كبد حراء )، أي: ساخنة ملتهبة، فكل حيوان فيه كبد حراء فيه أجر، فلو أطعمت دجاجة أو سقيتها فإنك تؤجر على ذلك؛ لأن لها كبداً، أو كلباً، وهكذا، ففي كل ذات كبد حراء أجر لمن سقاها أو أطعمها أو دفع عنها الأذى [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [( من لا يرحم لا يرحم ) ] فمن لا يرحم الإنسان والحيوان والكافر والمؤمن لا يرحمه الله [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ] ومن في الأرض الإنس والحيوان، الإنس مؤمنهم وكافرهم، والحيوان ما عدا الحيوان المؤذي الضار بالناس، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب أن نرحم الحيوانات كما نرحم الناس.

ثانياً: رحمتها والإشفاق عليها

[ ثانياً: رحمتها والإشفاق عليها؛ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما رآهم قد اتخذوا حيواناً - طيراً- غرضاً- هدفاً- يرمونه بسهامهم ] عندما اتخذوا طائراً، وجعلوه غرضاً يرمونه برماحهم يتعلمون عليه قال: [ ( لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً ) ] ( لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح ) اتخذه غرضاً يرميه، ( لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح )، بهذا الشرط يتخذه غرضاً يرميه، والحيوان كله ذو روح، ( لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً ). لو كان ميتاً أخف، ولو كان لا روح فيه فلا بأس، لكن ما دامت الروح فيه وهو حي وروحه فيه ويرميه بالنبال يتمرن عليه بالرماية فلا يجوز اتخاذه هدفاً للرمي [ ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن صبر البهائم - أي: حبسها للقتل- ] نهى صلى الله عليه وسلم أن تصبر الحيوانات لتقتل، أي: تربط فتموت جوعاً وعطشاً من أجل أن يقتلوها [ ولقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها إليها ) ] يقول صلى الله عليه وسلم: ( من فجع هذه بولدها ) أي: فصل عنها ولدها، ( ردوا عليها ولدها إليها ) [ قاله لما رأى الحمرة -طائر- ] معروف عند أهل المدينة [ تحوم تطلب أفراخها التي أخذها الصحابة من عشها ] كان لها عش، فأخذوا أفراخها، فجاءت تحوم وتطلب أولادها، فقال صلى الله عليه وسلم: ( من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها إليها ). يستفهم من فجع هذه الحمرة؟ قاله لما رأى الحمرة وهي طائر تحوم تطلب أفراخها التي أخذها الصحابة من عشها، وأعني بالصحابة: بعض الصحابة أو أولاد الصحابة.

ثالثاً: إراحتها عند ذبحها أو قتلها

[ ثالثاً: إراحتها عند ذبحها أو قتلها ] من الآداب اللازمة للحيوان إذا أدرنا أن نقتله أن نريحه سواء عند الذبح أو القتل، لا بشدة وعنف [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) ] وهذا اللفظ في الحديث عام، فإذا توضأت فأحسن وضوءك، وإذا أكلت فأحسن أكلك، وإذا طبخت فأحسن طبخك، وإذا خطت فأحسن خياطتك. ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء )، أي: فرضه في كل شيء [ ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتهم فأحسنوا الذبح، وليرح أحدهم ذبيحته، وليحد شفرته ) ] الشفرة التي يذبح بها. وقوله: ( وليرح أحدكم ذبيحته ) أي: لا يؤلمها، ويضغط عليها ويمزقها، وإنما بالتي هي أحسن حتى يذبحها، ( وليحد شفرته ) حتى لا تكون قاسية عليها، فإذا كانت ماضية حادة فبسهولة تقطع رأسها.

رابعاً: عدم تعذيبها بأي نوع من أنواع العذاب

[ رابعاً: عدم تعذيبها بأي نوع من أنواع العذاب، سواء كان بتجويعها، أو ضربها، أو تحميلها ما لا تطيق، أو بالمثلة بها، أو حرقها بالنار؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( دخلت امرأة النار في هرة ) ] أي: قطة [ ( حبستها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، فلا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ) ] فلما حبستها حتى ماتت دخلت النار وإن كانت تصوم وتصلي [ وقد مر صلى الله عليه وسلم بقرية نمل ] قرية تراب مجموعة فيها نمل، يقال في قرية النمل، وقرى النمل معروفة [ موضع نمل وقد أحرقت ] تلك القرية بنملها [ فقال: ( إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ) ] ولنحفظ هذا الحديث، ( إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ). فلهذا لا يجوز إحراق إنسان ولا حيوان أبداً بالنار، ومن فعل فقد تعدى على الله وانتزع حقه منه، إذ لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار، [ يعني: الله عز وجل ] فلا تقل: أنا مالك النار، أنا ربها، هو يعني: الله عز وجل.

خامساً: إباحة قتل المؤذي منها

[ خامساً: إباحة قتل المؤذي منها ] الذي يؤذي من الحيوان قتله مباح ومأذون فيه وجائز، أي: يجوز قتل المؤذي من سائر الحيوانات [ وذلك كالكلب العقور ] وهو معروف، فهو الذي يأكل الناس [ والذئب، والحية ] أي: الأفعى [ والعقرب ] اللادغة [ والفأر ] الذي يأكل طعام الناس [ وما إلى هذا ] وذلك [ لقول الرسول عليه أزكى السلام: ( خمس فواسق تقتلن في الحل والحرم ) ] ومعنى الحل: خارج مكة والمدينة، ويقتلن في مكة والمدينة أيضاً؛ لأن الحرم لا يصاد فيه، ولا يقتل فيه حيوان، لكن هذه الخمس تقتل حتى في مكة والمدينة وحرمهما [ ( الحية، والغراب الأبقع ) ] هذا نوع من الغربان فيه بياض، هذا يضر بخلاف الأسود [ ( والفأرة، والكلب العقور، والحديا ) ] التي تخطف الحيوانات [ كما صح عنه كذلك قتل العقرب ولعنها ] ( لعن الله العقرب لا تدع نبياً ولا غيره ). هو يصلي وإذا بها تأتي إليه تريد أن تلسعه، فلعنها، قال: ( لعن الله العقرب لا تدع نبياً ولا غيره ). وهو كذلك. وهي ما لدغت النبي، وإنما قال هذا قبل أن تصل إليه، فهي جاءت مقبلة إليه.

سادساً: جواز وسم النعم في آذانها للمصلحة

[ سادساً ] من الآداب اللازمة علينا للحيوان [ جواز وسم النعم في آذانها للمصلحة ] ( جواز وسم) أي: تعليم النعم، وهي الإبل والبقر والغنم فقط، يجوز وسم النعم في آذانها؛ حتى تتميز شاته من شاة غيره، أو بعيره من بعير غيره، فتوسم وسمة في الأذن، أما إذا لم يكن هناك حاجة لذلك فلا يجوز، فإذا كان لمجرد اللهو أو اللعب فلا، لكن للمصلحة، [ إذ رئي صلى الله عليه وسلم يسم بيده الشريفة إبل الصدقة ] فإبل الزكاة وسمها بنفسه؛ حتى لا تختلط بإبل الغير [ أما غير النعم من سائر الحيوان ] والنعم كما علمتم هي الإبل والبقر والغنم [ فلا يجوز وسمه ] لأن الوسم يكون بجرح وإما بكي، فلا يجوز وسمه [ لقوله صلى الله عليه وسلم وقد رأى حماراً موسوماً في وجهه: ( لعن الله من وسم هذا في وجهه ) ] إذ لا فائدة من وسمه، فلا يختلط الحمار بالحمار، إذا هذا عنده حمار والثاني عنده اثنان، وأما الإبل فعندك ألف وهذا عنده ألفين، وكذلك الغنم، وأما الحمار فلا يختلط بغيره حتى نسمه، فلا معنى لهذا الوسم، ويكفينا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي نهى عن هذا، ومعنى الوسم: أن يجعل له سمة وعلامة بالكي أو بالجرح.

سابعاً: معرفة حق الله فيها بأداء زكاتها إذا كانت مما يزكى

[ سابعاً: معرفة حق الله فيها بأداء زكاتها إذا كانت مما يزكى ] من الآداب الواجبة علينا للحيوان تزكيتها وإخراج الزكاة منها إذا بلغت النصاب، وكانت من النوع الذي يزكى، وهي الأنعام: الإبل والبقر والغنم، ففيها حق واجب، ممكن إذا ما زكيتها تشكوك يوم القيامة وتقول: ما زكاني ولا طهرني، فإذا كان عندك غنم فتزكيها إذا كانت أربعين فما فوق، والإبل تزكيها إذا كان عندك خمسة، فتجب فيها الزكاة شاة، والبقر تزكيها إذا كان عندك ثلاثين، فلابد أن تعرف المقادير التي يجب أن تدفعها، فما دام عندك هذه الأنعام يجب أن تعرف كيف تزكيها وبم تزكيها. هذا من الآداب اللازمة لها، معرفة حق الله فيها بأداء زكاتها إذا كانت مما يزكى، أما الحمر فلا تزكى، ولا البغال ولا الخيول، وإنما الذي يزكى الإبل والبقر والغنم، أي: الأنعام، فالإبل نصابها إذا كانت خمسة فيها شاة، فإذا بلغت خمسة وعشرين فحينئذٍ فيها ابن لبون، والبقر نصابها ثلاثون، والغنم أربعون، وبعد ذلك كلما زادت ازداد النصاب.

ثامناً: عدم التشاغل بها عن طاعة الله أو اللهو بها عن ذكره تعالى

[ ثامناً: عدم التشاغل بها عن طاعة الله أو اللهو بها عن ذكره ] تعالى. من الآداب اللازمة للمؤمن أن يقوم بها إزاء الحيوان: ألا يتشاغل بها حتى تشغله عن طاعة الله، ولا يتلهى بها حتى تلهيه عن ذكر الله، مثلاً: إذا عنده فرس أو حمار أو أي حيوان آخر فلا يأخذ في اللعب معه حتى يترك صلاة الظهر ما يحضرها مثلاً، أو يبقى يلعب به ساعتين أو ثلاثاً ولا يذكر الله، فلا يجوز أن تشغله عن ذكر الله، وذلك [ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المنافقون:9] ] فالذي ينشغل مع بهائمه أو حيواناته ولا يذكر الله وينسى عبادة الله هلك، فيجب ألا تلهينا هذه البهائم المملوكة لنا عن ذكر الله وطاعته [ ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الخيل: ( الخيل ثلاثة ) ] لا رابع لها، الخيل ثلاث حالات لها، هن [ ( لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر ) ] أي: إثم، لا تخرج الخيل عن هذه الثلاثة، لرجل أجر، إذا اكتسبها يؤجر عليها، ولآخر ستر، أي: تستره في الفقر والحاجة وتسد حاجته، وآخر عليه وزر، وبيان ذلك: قال صلى الله عليه وسلم: [ ( فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله ) ] هذا القيد، ومعنى في سبيل الله: ليجاهد عليها [ (فأطال لها طيلها) ] أي: أطال حبلها [ ( في مرج أو روضة ) ] من الرياض [ ( فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ) ] الذي تأكله وتشربه كله حسنات له؛ وذلك لأنه ربطها لله ينتظر بها الجهاد، فهذا له أجر [ ( ولو أنها قطعت طيلها ) ] قطعت الطيل من رجلها [ ( فاستنت شرفاً أو شرفين ) ] يعني: مكاناً عالياً [ ( كانت آثارها وأرواثها حسنات له ) ] فإذا انطلقت من الطيل وهربت ولكنها ذهبت إلى مكان عال أو مكانين تأكل منه فله بكل ذلك حسنات، وهي لذلك الرجل أجر [ ( ولو أنها مرت بنهر فشربت ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات، وهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر ) ] هذا الرجل الثاني ربطها تغنياً للاستغناء به عن غيرها، وتعففاً حتى لا يسأل الناس، ولم ينس مع ذلك حق الله في رقابها - أي: يزكيها كالإبل والغنم- ولا ظهورها، فهي له ستر يستره الله بها من أن يسأل الناس أو يحتاج إلى ما عندهم ، والرجل الثالث [ ( ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء ) ] أي: مناوءة [ ( لأهل الإسلام، فهي عليه وزر ). والعياذ بالله.

[ فهذه جملة من الآداب يراعيها المسلم إزاء الحيوان طاعة لله ورسوله، وعملاً بما تأمر به شريعة الإسلام .. شريعة الرحمة .. شريعة الخير العام لكل مخلوق من إنسان أو حيوان ].

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

[ أولاً: إطعامها وسقيها إذا جاعت وعطشت ] إطعامها إذا جاعت، وسقيها إذا ظمئت؛ وذلك [ لقول الرسول عليه أزكى السلام: ( في كل ذات كبد حراء أجر ) ] ( في كل ذات كبد حراء )، أي: ساخنة ملتهبة، فكل حيوان فيه كبد حراء فيه أجر، فلو أطعمت دجاجة أو سقيتها فإنك تؤجر على ذلك؛ لأن لها كبداً، أو كلباً، وهكذا، ففي كل ذات كبد حراء أجر لمن سقاها أو أطعمها أو دفع عنها الأذى [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [( من لا يرحم لا يرحم ) ] فمن لا يرحم الإنسان والحيوان والكافر والمؤمن لا يرحمه الله [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ] ومن في الأرض الإنس والحيوان، الإنس مؤمنهم وكافرهم، والحيوان ما عدا الحيوان المؤذي الضار بالناس، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب أن نرحم الحيوانات كما نرحم الناس.