الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد درسنا الآداب ونحن في آخرها، فقد درسنا الأدب مع الله عز وجل .. الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم .. الأدب مع الآباء .. مع الإخوان .. مع الأقارب .. مع الجيران، والأدب مع الكافرين أيضاً، وها نحن مع الأدب مع الحيوان. وهل الحيوان له آداب نلتزم بها؟ نعم.
قال المؤلف: [ المسلم يعتبر أغلب الحيوانات خلقاً محترماً ] المسلم ذو الإسلام الصحيح الواعي البصير العارف العليم يعتبر أغلب الحيوانات خلقاً محترماً [ فيرحمها برحمة الله تعالى لها، ويلتزم نحوها بالآداب التالية:]
أولاً: إطعامها إذا جاعت وسقيها إذا ظمئت
[ أولاً: إطعامها وسقيها إذا جاعت وعطشت ] إطعامها إذا جاعت، وسقيها إذا ظمئت؛ وذلك [ لقول الرسول عليه أزكى السلام: (
في كل ذات كبد حراء أجر ) ] (
في كل ذات كبد حراء )، أي: ساخنة ملتهبة، فكل حيوان فيه كبد حراء فيه أجر، فلو أطعمت دجاجة أو سقيتها فإنك تؤجر على ذلك؛ لأن لها كبداً، أو كلباً، وهكذا، ففي كل ذات كبد حراء أجر لمن سقاها أو أطعمها أو دفع عنها الأذى [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [(
من لا يرحم لا يرحم ) ] فمن لا يرحم الإنسان والحيوان والكافر والمؤمن لا يرحمه الله [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ (
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ] ومن في الأرض الإنس والحيوان، الإنس مؤمنهم وكافرهم، والحيوان ما عدا الحيوان المؤذي الضار بالناس، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب أن نرحم الحيوانات كما نرحم الناس.
ثانياً: رحمتها والإشفاق عليها
[ ثانياً: رحمتها والإشفاق عليها؛ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما رآهم قد اتخذوا حيواناً - طيراً- غرضاً- هدفاً- يرمونه بسهامهم ] عندما اتخذوا طائراً، وجعلوه غرضاً يرمونه برماحهم يتعلمون عليه قال: [ (
لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً ) ] (
لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح ) اتخذه غرضاً يرميه، (
لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح )، بهذا الشرط يتخذه غرضاً يرميه، والحيوان كله ذو روح، (
لعن الله من اتخذ شيئاً فيه روح غرضاً ). لو كان ميتاً أخف، ولو كان لا روح فيه فلا بأس، لكن ما دامت الروح فيه وهو حي وروحه فيه ويرميه بالنبال يتمرن عليه بالرماية فلا يجوز اتخاذه هدفاً للرمي [ ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن صبر البهائم - أي: حبسها للقتل- ] نهى صلى الله عليه وسلم أن تصبر الحيوانات لتقتل، أي: تربط فتموت جوعاً وعطشاً من أجل أن يقتلوها [ ولقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ (
من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها إليها ) ] يقول صلى الله عليه وسلم: (
من فجع هذه بولدها ) أي: فصل عنها ولدها، (
ردوا عليها ولدها إليها ) [ قاله لما رأى الحمرة -طائر- ] معروف عند أهل المدينة [ تحوم تطلب أفراخها التي أخذها الصحابة من عشها ] كان لها عش، فأخذوا أفراخها، فجاءت تحوم وتطلب أولادها، فقال صلى الله عليه وسلم: (
من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها إليها ). يستفهم من فجع هذه الحمرة؟ قاله لما رأى الحمرة وهي طائر تحوم تطلب أفراخها التي أخذها الصحابة من عشها، وأعني بالصحابة: بعض الصحابة أو أولاد الصحابة.
ثالثاً: إراحتها عند ذبحها أو قتلها
رابعاً: عدم تعذيبها بأي نوع من أنواع العذاب
خامساً: إباحة قتل المؤذي منها
[ خامساً: إباحة قتل المؤذي منها ] الذي يؤذي من الحيوان قتله مباح ومأذون فيه وجائز، أي: يجوز قتل المؤذي من سائر الحيوانات [ وذلك كالكلب العقور ] وهو معروف، فهو الذي يأكل الناس [ والذئب، والحية ] أي: الأفعى [ والعقرب ] اللادغة [ والفأر ] الذي يأكل طعام الناس [ وما إلى هذا ] وذلك [ لقول الرسول عليه أزكى السلام: (
خمس فواسق تقتلن في الحل والحرم ) ] ومعنى الحل: خارج مكة والمدينة، ويقتلن في مكة والمدينة أيضاً؛ لأن الحرم لا يصاد فيه، ولا يقتل فيه حيوان، لكن هذه الخمس تقتل حتى في مكة والمدينة وحرمهما [ (
الحية، والغراب الأبقع ) ] هذا نوع من الغربان فيه بياض، هذا يضر بخلاف الأسود [ (
والفأرة، والكلب العقور، والحديا ) ] التي تخطف الحيوانات [ كما صح عنه كذلك قتل العقرب ولعنها ] (
لعن الله العقرب لا تدع نبياً ولا غيره ). هو يصلي وإذا بها تأتي إليه تريد أن تلسعه، فلعنها، قال: (
لعن الله العقرب لا تدع نبياً ولا غيره ). وهو كذلك. وهي ما لدغت النبي، وإنما قال هذا قبل أن تصل إليه، فهي جاءت مقبلة إليه.
سادساً: جواز وسم النعم في آذانها للمصلحة
[ سادساً ] من الآداب اللازمة علينا للحيوان [ جواز وسم النعم في آذانها للمصلحة ] ( جواز وسم) أي: تعليم النعم، وهي الإبل والبقر والغنم فقط، يجوز وسم النعم في آذانها؛ حتى تتميز شاته من شاة غيره، أو بعيره من بعير غيره، فتوسم وسمة في الأذن، أما إذا لم يكن هناك حاجة لذلك فلا يجوز، فإذا كان لمجرد اللهو أو اللعب فلا، لكن للمصلحة، [ إذ رئي صلى الله عليه وسلم يسم بيده الشريفة إبل الصدقة ] فإبل الزكاة وسمها بنفسه؛ حتى لا تختلط بإبل الغير [ أما غير النعم من سائر الحيوان ] والنعم كما علمتم هي الإبل والبقر والغنم [ فلا يجوز وسمه ] لأن الوسم يكون بجرح وإما بكي، فلا يجوز وسمه [ لقوله صلى الله عليه وسلم وقد رأى حماراً موسوماً في وجهه: (
لعن الله من وسم هذا في وجهه ) ] إذ لا فائدة من وسمه، فلا يختلط الحمار بالحمار، إذا هذا عنده حمار والثاني عنده اثنان، وأما الإبل فعندك ألف وهذا عنده ألفين، وكذلك الغنم، وأما الحمار فلا يختلط بغيره حتى نسمه، فلا معنى لهذا الوسم، ويكفينا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي نهى عن هذا، ومعنى الوسم: أن يجعل له سمة وعلامة بالكي أو بالجرح.
سابعاً: معرفة حق الله فيها بأداء زكاتها إذا كانت مما يزكى
[ سابعاً: معرفة حق الله فيها بأداء زكاتها إذا كانت مما يزكى ] من الآداب الواجبة علينا للحيوان تزكيتها وإخراج الزكاة منها إذا بلغت النصاب، وكانت من النوع الذي يزكى، وهي الأنعام: الإبل والبقر والغنم، ففيها حق واجب، ممكن إذا ما زكيتها تشكوك يوم القيامة وتقول: ما زكاني ولا طهرني، فإذا كان عندك غنم فتزكيها إذا كانت أربعين فما فوق، والإبل تزكيها إذا كان عندك خمسة، فتجب فيها الزكاة شاة، والبقر تزكيها إذا كان عندك ثلاثين، فلابد أن تعرف المقادير التي يجب أن تدفعها، فما دام عندك هذه الأنعام يجب أن تعرف كيف تزكيها وبم تزكيها. هذا من الآداب اللازمة لها، معرفة حق الله فيها بأداء زكاتها إذا كانت مما يزكى، أما الحمر فلا تزكى، ولا البغال ولا الخيول، وإنما الذي يزكى الإبل والبقر والغنم، أي: الأنعام، فالإبل نصابها إذا كانت خمسة فيها شاة، فإذا بلغت خمسة وعشرين فحينئذٍ فيها ابن لبون، والبقر نصابها ثلاثون، والغنم أربعون، وبعد ذلك كلما زادت ازداد النصاب.
ثامناً: عدم التشاغل بها عن طاعة الله أو اللهو بها عن ذكره تعالى